الدكروري يكتب عن لا تجاوز عن حقوق الناس
الدكروري يكتب عن لا تجاوز عن حقوق الناس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
روي أن عبيدا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة من بني مُزينة، فجيء بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأقروا واعترفوا بالسرقة، فأمر كثير بن الصلت بقطع أيديهم ، فلما همّ بتنفيذ هذه العقوبة فيهم، صاحوا يا أمير المؤمنين، إن حاطبا لا يعطينا ما نسد به رمقنا، فلولا الحاجة والجوع ما سرقنا، فلما سمع كلامهم عفا عنهم، ثم وجّه اللوم لسيدهم حاطب بن أبي بلتعة، فقال له وايمن الله إذ لم أفعل ذلك لأغرمنك بدلا من ذلك غرامة توجعك، ثم قال يا مزني، بكم أريدت منك ناقتك؟ قال بأربعمائة، فقال عمر بن الخطاب لحاطب اذهب فأعطه ثمانمائة، فهذه حادثة واضحة الدلالة على أن المجرم لا يؤخذ بذنبه حتى ينظر الحاكم أولا في دوافع الجريمة، فيزنها بميزان الحق والعدل، ويبحث عن المسؤول الحقيقي فيها فيوقع العقوبة عليه.
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه همّ بقطع يد سيدهم بعد أن علم أنه كان هو السبب الرئيس في دفع عبيده إلى السرقة، وقد بيّن الإسلام أن السارق إذا أفلت من عقاب الدنيا، فلن يفلت من عقاب الآخرة، الذي هو أشد وأنكى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم”المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار” رواه مسلم، والترمذي.
وعن أبي عثمان عن سلمان الفارسي، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن مسعود، حتى عدّ ستة أو سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إن الرجل لترفع يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما تبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم” رواه البيهقي وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه” رواه أحمد، وعن أبي عبدالله الأسدي قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب” رواه أحمد، فالناس حتى الكافرون منهم والفاجرون.
وأعداء الإسلام في العقيدة حقوقهم مصونة في ظل الإسلام، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من كانت عنده مَظلِمة لأخيه من عرض أو من شيء، فليتحلله منه اليوم من قبل ألا يكون دينار ولا درهم” رواه البخاري، والترمذي، وبيّنت أحاديث نبوية شريفة أخرى أن العبد إذا آمن وتاب بعد أن كان قد اعتدى على حدود الله وعلى أموال الناس، فالله سبحانه يتوب عليه ويتجاوز عن حقوقه، ولكن لا يتجاوز عن حقوق الناس، وإن كان هؤلاء الناس كفرة ومن أهل النار، فالله سبحانه يوم الحساب سيقتص لهم من الظالم، أو يدفع إليهم من حسناته بقدر ما ظلمهم قبل أن يدخل هو الجنة، وقبل أن يدخلوا هم النار، فالمرء الذي ينشأ منذ نعومة أظفاره على هذه المبادئ أنى له أن يعتدي وأنى له أن يسرق إلا من شذ؟