الغرس والبنيان في الظرقات العامة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وفق من شاء لعبادته، أحمده سبحانه وأشكره على تيسير طاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المؤمنين بلوغ جنّته، وحذّر العصاة أليم عقوبته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، كان إماما في دعوته، وقدوة في منهجه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاة دائمة حتى نبلغ دار كرامته، أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالي، أما بعد ذكرت المصادر الكثير عن من عرف عنه الإصابة بالعين وفي الإكمال عن بعض العلماء ينبغي إذا عرف أحد بالإصابة بالعين، إجتنابه والتحرز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، وإن كان فقيرا أرزقه ما يقوم به، ويكف أذاه عن الناس فضرره أشد من ضر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد لئلا يؤذي المسلمين.
وأشد من ضرر المجذوم الذي منع عمر رضي الله عنه والعلماء اختلاطه بالناس، ومن ضرر العوادي من المواشي الذي أمر بتغريبها حيث لا يتأذى منها، ومن هذا المعنى قول ابن عبد البر رحمه الله، وقد أفتى الشيخ أبا عمر بن عبد المالك الإشبيلي رحمه الله في رجل شكاه جيرانه، وأثبتوا عليه عند القاضي أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده، بأن يخرج من المسجد ويبعد عنه، قلت له ما هذا، وقد كان في أدبه بالدرة والسوط ما يردعه؟ فقال الإستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى، قال ونزع بحديث عمر يعني قوله يا أيها الناس، إنكم لتأكلون من شجرتين خبيثتين، البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من أحد أمر به فأخرج إلى البقيع، وفي أحكام ابن حمدين، من شهد عليه أنه يؤذي الناس بلسانه، وقاع فيهم.
فقال سعيد بن أحمد بن عبد ربه أرى حبسه ثلاثة أيام، وقال ابن حارث أرى أن تأمر بحبسه، وتبيح له المدفع، فإن لم يكن له مدفع، وأتى من يثبت قذفا، أخذت له بحقه وتعهد إليه عهدا ناجزا فاصلا، إما كف بالحقيقة وإما زال عن القوم ورحل عنهم، وقال ابن خزيمة أرى أن تأمر بحبسه، وتبيح له المدفع، فإن أتاك بما يوجب له نظرا، وإلا كفيت الجيران شره ببيع داره عليه أو بكرائها، وترحله عن المربض، وهذا من الضرر الذي يوجب إبعاده عمن يضر به من المسلمين، ويجتهد في تأديبه بالسوط على قدر ذنبه، وأخذه من أعراض الناس، فأعراض الناس محصنة لا ينال منها أحد إلا نيل منه بالأدب بقدر ذلك، وكما ذكرت المصادر الكثير عن الغرس والبنيان إذا كان يضر بالطريق يمنع الغرس والبناء بإزاء سور البلد، إن كان فيه ضرر، وإلا فلا، وقال صاحب المغارسة.
وكغرس وبناء بإزاء سور خيف العدو بهما، أو حيث يضر بالطريق، قال في الشرح يعني أنه لا يجوز لأحد أن يغرس أو يبني بإزاء سور بلد من بلاد المسلمين، حيث يتمكن العدو من التواري بذلك الغرس، أو بذلك البناء، وهذا ظاهر لا يخفى، وكما ذكرت المصادر الكثير عن ما لا يجوز عمله في الشوارع لا يخفى أن إتخاذ البقر بين الدور في الحاضرة، لا سيما في وسطها، والمواضع الرفيعة منها، هو من الضرر الذي لا يقر عليه بحال، ويتعين رفعه على كل من قدر عليه بلا إشكال لما في ذلك من تلطيخها لأبواب الدور بأزبالها، ومنعها أهل الحومة حيث تقف من المرور بإزائها، ومن إذايتها بنطح الصبيان وغيرهم بقرونها، إلى غير ذلك مما يحصل من ضررها، مع كون العادة جارية في الحواضر كلها أن البقر إنما تتخذ بأطراف الحاضرة لا في وسطها.
وكذلك ذبح الجزور على باب القصاص، وتلويثه الطريق بالدم، منكر يجب المنع منه، بل حقه ذبحه في دكانه، ويتخذ فيه مذبحا، فإن ذلك يضر بالناس، وكذلك طرح الكناسات على الطريق، وتبديد قشر البطيخ، ورش الماء بحيث يخشى عليه الزلق، فكل ذلك منكر، وإرسال الميازيب المخرجة من الحيطان إلى الطريق الضيق، فإن ذلك ينجس الثياب لضيق الطريق، ولا يمنع منه في الطريق الواسعة وغير ذلك، ومن أراد أن ينفض حصره أو غيرها على باب داره، وهو يضر غباره بمن يمر بالطريق، يمنع من ذلك، ولا حجة له أن يقول إنما فعلته على باب داري، وقد حكم العلماء بمنع إتخاذ الحمام والدجاج والنحل بالحاضرة، مع أنها أقل ضررا من البقر بكثير، ومنع إتخاذ الكلاب بها أيضا.

