الرئيسيةUncategorizedالقِوامة… رؤية جديدة
Uncategorized

القِوامة… رؤية جديدة

القِوامة… رؤية جديدة

القِوامة… رؤية جديدة

بقلم د. تامر عبد القادر عمار

ما بين صفحات التراث وموجات الحداثة، يظل مفهوم القِوامة واحدًا من أكثر القضايا إثارة للجدل، ليس لأنه غامض في نصوصه، بل لأنه عالق في أذهان الناس بين تصورات متناقضة. البعض يراها راية لهيمنة الرجل، والبعض الآخر يعتبرها ظلمًا تاريخيًا للمرأة، بينما يغفل الكثيرون عن كونها في جوهرها منظومة إنسانية ربانية تهدف إلى تحقيق التوازن لا التسلط، وإلى بناء مؤسسة الأسرة على قاعدة العدل لا على وهم السيطرة. فإذا قلبنا النصوص بدقة، وجدنا أن القِوامة ليست إذنًا للرجل بأن يفعل ما يشاء، بل هي قيد صارم يلزمه بالإنفاق، وبالرعاية، وبالحماية. هي أقرب إلى الولاية المسؤولة منها إلى السلطة المطلقة، ومن هنا، فالقِوامة ليست امتيازًا مجانيًا، وإنما تكليف يضع على كاهل الرجل عبئًا مضاعفًا: أن يكون حاضرًا حين يغيب غيره، وأن يدفع حين يُعفى الآخر، وأن يَعدل حين تميل نفسه.

وفي كثير من البيوت، تُختزل القِوامة إلى مشهد الرجل الآمر الناهي، بينما النص القرآني والواقع العملي معًا يقولان شيئًا مختلفًا: الشراكة. فالمرأة التي تُعين زوجها في الشدائد، أو التي تُشارك في نفقات البيت، لا تسقط عنها مكانتها ولا تُبطل دور الرجل، بل تؤكد أن القِوامة هي تنظيم للأدوار وليست إلغاءً لأحدهما. ولو كانت القِوامة استبدادًا، لما أقر الإسلام بمشورة المرأة، ولا برأيها في البيعة، ولا بمشاركتها في مجالات الحياة العامة.

إن القِوامة في جوهرها قيمة أخلاقية أكثر من كونها نظامًا اجتماعيًا. فالرجل الذي يُهمل، أو يقسو، أو يظلم، لا يُعدّ قائمًا، حتى وإن أنفق الملايين. والقِوامة بلا عدل تتحول إلى استبداد، وبلا رحمة تغدو عبئًا. لذلك لا معنى للقِوامة إذا لم تُترجم إلى سلوك يومي يتسم باللطف، وحماية للضعف، وإنصاف في القرارات، واحترام للشريك. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة قراءة القِوامة بعيدًا عن ثنائية الهيمنة أو الإلغاء. فهي لا تعني تقليص دور المرأة ولا رفع الرجل إلى مقام الطغيان، بل تعني أن هناك بوصلة قيمية تحكم البيت: المسؤولية مقابل الحق، والواجب مقابل المكانة. ومتى ضاع هذا الميزان، تحولت الأسرة إلى ساحة صراع، وفقد المجتمع توازنه.

اليوم، مع تغيّر أدوار النساء وخروجهن للعمل ومشاركتهن في الأعباء الاقتصادية، لا يجوز أن يُقرأ مفهوم القِوامة بجمود. بل يجب أن يُفهم بروح المسؤولية المشتركة: إذا كان الرجل قَوّامًا بإنفاقه، فالمرأة قَوّامة بدورها في التربية، وبحكمتها، وبعاطفتها التي تُوازن قسوة الواقع. كلاهما “قوّام” بمعنى من المعاني، ولكن النص اختص الرجل لأنه يتحمّل العبء المادي الأكبر تاريخيًا. ولعل الجدل حول القِوامة لن ينتهي ما لم نُغيّر زاوية النظر. فليست القضية: “من الأعلى؟” بل “من الأقدر على تحمّل المسؤولية؟”. ليست المسألة “سيطرة” بل “حماية”. وإذا أُعيد هذا المفهوم إلى مساره الأخلاقي، فإنه سيكون رافعة للاستقرار بدل أن يكون سببًا للخلاف.

بهذا الفهم الجديد، تصبح القِوامة جسرًا للشراكة لا جدارًا للفصل، وأمانة للعدل لا وسيلة للهيمنة. فهي ليست صراعًا بين الرجل والمرأة، وإنما اتفاق غير معلن على أن لكل طرف دوره الذي لا يكتمل البيت بدونه. وهنا تبرز الحقيقة التي يجب أن تستقر في الأذهان: القِوامة ليست قضية جدل بين الذكورة والأنوثة، بل هي فنّ إدارة الحياة المشتركة بروح العدل والرحمة.

القِوامة… رؤية جديدة

 

القِوامة… رؤية جديدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *