المتحف المصري الكبير… ريادة تنبض من قلب التاريخ
بقلم / د. أحمــــــد الكاشــــف
في الأول من نوفمبر 2025، تفتح مصر بوابة جديدة نحو المستقبل بافتتاح المتحف المصري الكبير، في حدثٍ لا يمثل مجرد إنجاز ثقافي، بل رمزًا عالميًا لريادة الأعمال والإدارة والتخطيط الحضاري.
من قلب الجيزة، وعلى مقربة من الأهرامات، يقف هذا الصرح شاهدًا على أن ريادة المصريين لم تبدأ اليوم، بل هي امتداد لإبداع حضارةٍ عمرها سبعة آلاف عام.
ريادة من رحم الحضارة
منذ أن شق المصري القديم الصخر ليبني الأهرامات، وحتى شق المهندس المصري طريقه لتشييد هذا الصرح الحديث، ظل جوهر الريادة هو نفسه: الإصرار على تحويل المستحيل إلى إنجاز.
المتحف المصري الكبير يجسّد هذه الروح، ليصبح أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، ومثالًا حيًا على أن ريادة الأعمال لا تقتصر على الأسواق، بل تمتد إلى الفكر والإبداع والتنمية.
الريادة في إدارة وتخطيط المشاريع العملاقة
حصل المتحف على 8 شهادات ISO في مجالات الجودة والطاقة والبيئة والسلامة، إضافة إلى شهادة EDGE Advance كأول متحف أخضر في إفريقيا والشرق الأوسط.
كما نال جائزة فرساي العالمية لعام 2024 وجائزة المشروع الأفضل في العالم من الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين (FIDIC)، ليصبح نموذجًا عالميًا في الاستدامة والتخطيط الاستراتيجي، وتأكيدًا على أن الريادة تبدأ من الفكرة وتنتهي بالتنفيذ المتقن.
كنوز تتحدث عن الإبداع الإنساني
كنوز الملك توت عنخ آمون
يُعرض لأول مرة في التاريخ الكنز الذهبي الكامل للملك توت عنخ آمون، الذي يضم أكثر من 5,000 قطعة أثرية على مساحة 7,000 متر مربع — مقارنةً بـ700 متر فقط في المتحف القديم بالتحرير.
هذه المجموعة المذهلة ليست مجرد آثار، بل دروس في الابتكار والدقة والتنظيم، تذكّرنا بأن النجاح الحقيقي يبدأ من الشغف والمعرفة.
المسلة المعلقة
في بهو المتحف العظيم، ترتفع أول مسلة معلقة في العالم، وهي للملك رمسيس الثاني، لتكون رمزًا للجرأة والإبداع المعماري.
تتيح المسلة للزوار رؤية خرطوش رمسيس بوضوح للمرة الأولى منذ 3500 عام، في مشهد يمزج الهندسة القديمة بروح التصميم الحديث.
الدرج العظيم
يمتد الدرج العظيم كرحلة بصرية تحكي قصة مصر عبر العصور، حيث تُعرض 72 قطعة أثرية ضخمة لملوك وملكات مصر، مثل حتشبسوت ورمسيس الثاني.
إنه درس بصري في الريادة المتعاقبة — من البناء إلى الفن، من الحكم إلى الإدارة، من الماضي إلى الحاضر.
مركز الترميم… ريادة علمية
يضم المتحف أكبر مركز ترميم للآثار في العالم، مجهز بأحدث التقنيات التي تُمكّن الخبراء المصريين من قيادة مستقبل علم الترميم عالميًا.
هذا المركز ليس مجرد معمل، بل مدرسة ريادة علمية تخرّج جيلًا جديدًا من الكفاءات القادرة على صون التراث وإدارة المشروعات الكبرى بكفاءة واحتراف.
متحف مراكب خوفو
يشمل المتحف مبنى خاصًا لعرض مركبي خوفو، في تجربة متكاملة تمزج بين الإنجاز الهندسي القديم وأساليب العرض الحديثة، لتؤكد أن الإبداع المصري لا يشيخ بل يتجدد.
متحف متعدد الاستخدامات
يمتد المتحف ليشمل قاعات مؤتمرات وسينما ومتحفًا للأطفال ومناطق ترفيهية وتجارية، في رؤية متكاملة تربط بين الثقافة والسياحة والتعليم وريادة الاقتصاد الإبداعي.
كما تم دمج الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة تفاعلية غير مسبوقة للزوار، مما يعزز مكانة مصر كمركز عالمي للابتكار الثقافي.
رسالة من أرض الحضارة إلى صناع المستقبل
المتحف المصري الكبير ليس مجرد تحفة معمارية… إنه فكر ريادي متجسد في حجر.
يروي كيف يمكن لأمة أن تحافظ على تراثها وتبني مستقبلها في الوقت نفسه.
من قلب القاهرة، تُرسل مصر رسالتها إلى العالم:
أن الريادة الحقيقية هي أن تصنع من ماضيك قوة تدفعك إلى الأمام، وأن تبني مستقبل
ك على أساسٍ من المعرفة، والهوية، والإبداع.


