المنطقي واللامنطقي ما هو المنطق؟
هنا نابل بقلم المعز غني
هو ما يستقبله العقل أولًا ، فيحلّله ، ثم يعرضه على الإدراك . فإن أقرّه الإدراك وصادق عليه واعتبره صحيحًا ، أخرجه في كلمات وجمل منسّقة تُدهش من يستمع إليها .
لكن ، هل المنطق ثابت في كل العصور؟
هل ما نراه اليوم منطقيًا سيبقى كذلك بعد مئات السنين؟
تخيّل لو عدنا بالزمن إلى خمسة قرون خلت ، وتحدثنا أمام أهل ذلك العصر عن الطائرات والسيارات ، وعن الصراف الآلي ، والذكاء الاصطناعي ، والأقمار الصناعية … أكان أحد سيقبل بهذا الكلام؟
بالطبع لا ، لأن العقل آنذاك لم يخزن أي تجربة أو موروث معرفي يسمح له باستيعاب مثل هذه المفاهيم.
فاللاوعي لا يحفظ إلا ما مرّ على العقل الواعي من تجارب واقعية . لذلك سيرفضها الإدراك جملة وتفصيلًا ، بل سيعتبرها عبثًا وخيالًا مريضًا .
تصوّر أنك أنت شخصيًا ذهبت إلى الماضي بملابسك العصرية وربطة عنقك الأنيقة وحذائك الجلدي اللامع.
كيف ستكون ردة فعل الناس؟
سيتنمرون عليك ، لأنك غريب عن بيئتهم ، دخيل على زمنهم.
قد يتهمونك بالجنون أو الادعاء أو حتى بالسحر ، لأن مظهرك ومفاهيمك لا تتماشى مع موروثهم الثقافي .
في المقابل ، ما تحمله من علم ومعرفة سابقة لعصرهم سيُعتبر في نظرهم جهلًا ، لأنهم يحاكمونك بمقاييس زمنهم لا زمنك.
إذن ، المنطق ليس مطلقًا ، بل نِتاج بيئة وزمن وثقافة.
فحتى في عصر واحد ، تختلف المعايير .
فتاة ترتدي لباسًا محتشمًا في بلد أوروبي متحرر ، ستجد الأنظار كلها تتجه إليها لا لأنها سيئة ، بل لأنها خرجت عن المألوف.
ولو أرتدت لباسهم ، لأصبحت “منطقية” في نظرهم.
وبالمقابل ، من ينزل إلى شاطئ للعراة متمسكًا بموروثه المحافظ سيُنظر إليه كغريبٍ أيضًا ، لأنه الوحيد الخارج عن القاعدة .
هكذا نكتشف أن “المعقول” و”اللامعقول”، و”اللائق” و”غير اللائق”، مفاهيم نسبية لا يحكمها ميزان ثابت ، بل تتحدد وفقًا للمجتمع والبيئة والزمان والمكان .
فالمنطقي في الحاضر ، كان غير منطقي في الماضي .
والمنطقي في المستقبل ، يبدو اليوم ضربًا من الخيال .
إذًا ، لا وجود لمنطق مطلق ، بل عقول تتقبّل وترفض وفقًا لما تختزنه من موروثات وتجارب .
فلا تحاول أن تقنع أحدًا بعلمك أو أفكارك إلا إذا قدّمتها بمنطق يفهمه ، وفي بيئة وزمن يتناسبان مع مداركه .
المنطق ليس حقيقة كونية ، بل مرآة لما أدركه الإنسان وصدّقه في لحظته.
بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف
المنطقي واللامنطقي ما هو المنطق؟


