الرئيسيةمنوعاتبين الرياح والشمس… درس لا يشيخ
منوعات

بين الرياح والشمس… درس لا يشيخ

 

بقلم : عماد نويجى 

قالت الرياح للشمس ذات يوم

ما رأيك أن نتراهن على من ينجح فى نزع المعطف عن ذلك الشاب الجالس وحيدًا في الحديقة؟

وافقت الشمس على أن تبدأ الرياح أولًا

 

بدأت الرياح محاولتها بكل ما تملك من قوة عصفٌ شديد أصوات مدوّية وأتربة تتطاير فى كل اتجاه اشتدت سرعتها وضراوتها ظنًا منها أن القهر طريق مختصر للنتيجة لكن ما حدث كان عكس المتوقع الشاب تشبّث بمعطفه أكثر ولفّه حول جسده بإصرار كأن الرياح أيقظت فيه غريزة الدفاع لا الرغبة فى التخلى

 

استسلمت الرياح وجاء دور الشمس

لم ترفع صوتًا ولم تستعرض قوتها. ابتسمت فى هدوء وأشرقت برفق وبثّت دفئها فى المكان شيئًا فشيئًا تغيّر الإحساس شعر الشاب بالراحة لم يعد المعطف ضرورة فنزعه من تلقاء نفسه

هكذا انتهى الرهان… بلا صخب وبلا خسائر

هذه الحكاية البسيطة تختصر فلسفة إنسانية عميقة

القسوة قد تُخضع مؤقتًا لكنها لا تُقنع

والإكراه قد يفرض طاعة لكنه لا يخلق اقتناعًا ولا ولاءً

 

فى علاقاتنا اليومية داخل الأسرة فى بيئة العمل فى الإدارة والقيادة وحتى فى اختلافات الرأى نميل كثيرًا لأن نكون رياحًا نرفع الصوت نلوّح بالقوة نضغط ثم نندهش حين نجد من أمامنا أكثر عنادًا وأشد تمسكًا بموقفه

 

بينما الشمس تعلّمنا أن الاحترام والهدوء والفهم والاحتواء أدوات أكثر فاعلية وتأثيرًا

الشمس لا تُجبر أحدًا على التغيير لكنها تهيّئ المناخ له

لا تُكسر الإرادة بل تفتح لها بابًا آمنًا للاختيار

القيادة الحقيقية ليست فى السيطرة بل فى التأثير

والقوة الحقيقية ليست فى القسوة بل فى الحكمة

ومن يظن أن الشدة طريق مختصر فليتذكر أن أقصر الطرق ليست دائمًا أصلحها

ربما نحتاج جميعًا أن نسأل أنفسنا

فى تعاملنا مع الآخرين… هل نحن رياح تُخيف وتُنفّر؟

أم شمس تُدفئ فتُغيّر؟

 

لأن التغيير الذى يأتي بالرضا يدوم

أما التغيير الذى يولد تحت العاصفة… فينهار مع أول هدوء

فكن شمسا ولا تكن رياحا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *