تحت الغموض الدبيبة في مرمى النار
كتب /ضاحى عمار
في طرابلس لا يُقرأ سقوط الطائرة الليبية التي كانت تقل رئيس هيئة الأركان محمد الحداد ومرافقيه باعتباره حادثا فنيا عابرا بقدر ما يُنظر إليه كلحظة سياسية وأمنية كاشفة لحجم التوتر المكتوم داخل معسكر الغرب الليبي حيث تتقاطع الشكوك مع صراعات النفوذ ويصبح الغموض وقودا للارتياب العام. ومع الإعلان التركي عن خلل كهربائي كسبب للتحطم قرب أنقرة تتقدم الأسئلة على الإجابات في مشهد يعكس هشاشة الثقة بين القوى الفاعلة وعمق التداخل الإقليمي في الملف الليبي.
يسعى عبدالحميد الدبيبة إلى استعادة زمام الرواية عبر خطاب يقوم على التعهد بكشف كل التفاصيل والتعاون الكامل مع تركيا إدراكا منه بأن الصمت في مثل هذه اللحظات يفتح الباب أمام قراءات بديلة قد تذهب بعيدا عن الحقيقة وتتحول إلى أدوات ضغط سياسي. فالحادث يأتي في توقيت حرج تشهد فيه طرابلس حالة سيولة أمنية وصدامات غير معلنة بين قوى مسلحة تتنافس على النفوذ ما يجعل غياب قيادات عسكرية وازنة حدثا قابلا لإعادة ترتيب موازين القوة.
وتتغذى الشائعات من ذاكرة قريبة مثقلة بحوادث تصفية واغتيالات داخل المعسكر نفسه وهو ما يدفع قطاعات من الشارع إلى التشكيك في الروايات الفنية والبحث عن تفسيرات سياسية أو أمنية أعمق خاصة مع الحديث المتكرر عن تشابك العلاقات التركية مع أطراف نافذة في غرب ليبيا. وفي هذا السياق لا يبدو التعاون مع أنقرة خيارا سياسيا فحسب بل ضرورة لإغلاق دائرة الشك التي تحيط بالحادث وتداعياته.
ويرى اللواء أشرف فوزي الخبير الأمني أن خطورة الواقعة لا تتعلق فقط بخسارة قيادات عسكرية بارزة بل بما قد تتركه من فراغ في منظومة التوازن الأمني داخل العاصمة موضحا أن أي تأخير في إعلان نتائج واضحة سيمنح الأطراف المسلحة مساحة للتحرك بدافع القلق أو الطموح. ويشدد فوزي على أهمية أن يسير التحقيق في مسار مزدوج يجمع بين الجانب الفني والمسار السيادي الليبي حتى لا تتحول النتائج إلى موضع تشكيك دائم.
ومن زاوية سياسية يقرأ المحلل عدلي الهواري تحرك الدبيبة باعتباره محاولة لاحتواء أزمة تتجاوز بعدها الإنساني إلى حسابات الشرعية والاستقرار مؤكدا أن رئيس الحكومة يدرك أن إدارة الملف بشفافية ستحدد قدرته على الصمود أمام خصوم يتربصون بأي فرصة لإرباك المشهد. ويضيف الهواري أن الحادث يعيد فتح ملف النفوذ التركي في غرب ليبيا حيث ستصبح نتائج التحقيق معيارا لإعادة تقييم هذه العلاقة في الداخل الليبي.
ويحمل مشهد تشييع الضحايا في طرابلس دلالات تتجاوز الحزن إلى محاولة تثبيت صورة الدولة الحاضرة بمؤسساتها في مواجهة واقع الانقسام مع حضور تركي يعكس حرص الطرفين على احتواء التداعيات السياسية والأمنية. وبينما تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه التحقيقات يبقى ملف الطائرة اختبارا حقيقيا لقدرة السلطة على إدارة الأزمات في بلد لا يحتمل مزيدا من الغموض ولا يملك ترف تأجيل الحقيقة.

