تغزل الشعراء في النخلة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله مصرّف الأوقات وميسر الأقوات فاطر الأرض والسماوات أهل الفضل والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا لعبادته ويسر لنا سبل الطاعات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة ويسير التشريعات، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات وأكرم البريات وعلى آله السادات وأصحابه ذوي المقامات والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكلوا من الطيبات واعلموا الصالحات فاليوم حياة وغدا ممات، ثم أما بعد روي عن أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب قال سمعت أبا مسلمة المنقري يقول كان عندنا بالبصرة نخلة ذكر من ففسدت حتى شيصت، قال فدعا صاحبها حسنها وطيب رطبها، قال شيخا قديما يعرف النخيل، فنظر إليها وإلى ما حولها من النخل.
فقال هذه عاشقة لهذا الفحل الذي بالقرب منها، قال فلقحت منه، فعادت إلى أحسن ما كانت ما زالت النخلة صنو الإنسان العربي والصورة المقابلة له في الطبيعة، من صور هذه المقابلة التناظر وصور التشابه بين ما يراه الإنسان في حياته وتجاربه ومشاعره وبين النخلة وثمارها وأجزائها وما يطرء عليها من تقلبات الفصول والأيام، قد انعكس في الصورة الشعرية منذ القدم، ونتلمس ذلك في شعر عبد الرحمن الداخل صقر قريش الذي وجد في نخلة غريبة في بلاد الأندلس شبيها له في الغربة والنأي عن الأهل، حيث قال تبدت لنا بين الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل، فقلت شبيهي في التغـرب والنوى وطول التنائي عن بني وعن أهلي، وإذا كان امرؤ القيس، وهو أهم الشعراء الجاهليين، قد شبه شعر حبيبته بفرع النخلة المتداخل.
فإن غيره ذهب إلى ما هو أبعد يقول ” وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقني والنخلة المتعثكل” أما ابن الرومي فقد التفت إلى ما تمثله النخلة من عطاء وكرم، وإلى ما فمزج هاتين السمتين في تبدو عليه من علو وشموخ، مدح إحدى شخصيات شعره، وفي بعض تفاصيل تكوين النخلة ما أغرى الشعراء بالإستخدام، مثل إحاطة الليف والسعف برأس النخلة، ويقول النابغة الشيباني في وصف معركة وقد أحاطت بها أبطال ذي لجب كما أحاط برأس النخلة الليف، ويقول أيضا، مادحا وهاجيا ألست أبين منهم غير أنهم هم اللئام إذا ما استشرفوا عرفوا وأحاط بهم كما أحاط برأس النخلة السعف، وإهتم شاعر آخر هو العشاري بمشهد الطول في النخيل، لكنه حين يصف ممدوحيه فإن ينعطف نحو معنى آخر يقول بواسق جادت بالثمار فأينعت ثمار الهدى والعلم والفضل لا التمر.
أما الصنوبري فيقارن بين التمر والحشف، اللذين تنتجهما النخلة، وهي مقارنة بين الجيد والرديء، حيث يقول تصفو خلائق أيام الزمان بكم إذ الخلائق فيهما التمر والحشف، وكذلك ظهرت الحكمة والفخر في الشعر عبر النخلة، إذ يقول ابن رشيق القيرواني النخلة غير مدادة، لا تعتدي في الغالب على جاراتها بسيقانها أو فروعها، ولها حرم معلوم، وهي مع كمال النفع بظلها إلا أنها محكومة في الإنتشار، ولقد ساق أبو عثمان الجاحظ في كتابه الحيوان كلاما غريبا في هذا المعني فقال علة قلة البيض إذا كثر الدجاج وسألت عن السبب الذي صار له الدجاج إذا كثرن قل بيضهن وفراخهن، فزعموا أنها في طباع النخل، فإن النخلة إذا زحمت أختها، بل إذا مس طرف سعفها طرف سعف الأخرى وجاورتها، وضيقت عليها في الهواء، وكذلك أطراف العروق في الأرض.
كان ذلك كربا عليها وغما، قالوا فتدانيها وتضاغطها، وأنفاسها وأنفاس أبدانها، يحدث لها فسادا، قلت االله أعلم بذلك، والحريم هو كل موضع تلزم حمايته، فحريم البئر وغيرها ما حولها من حقوقها ومرافقها وحريم الدار ما أضيف إليها، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حريم النخلة مد الجريد منها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” حريم النخلة مد جريدها “

