المقالات

 تنافس عليه شرفاء العرب

جريده موطني

تنافس عليه شرفاء العرب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 تنافس عليه شرفاء العرب

الحمد لله الذي شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الرحمه المهداه صلي الله عليه وسلم وإن من صور الرحمة بين الخلق هو الرحمة بالنفس، فإنه أحوج شيء إلى رحمتك نفسك التي بين جنبيك، ومن رحمة المرء لنفسه أن يمنعها من كل ما يؤذينا من الأمراض والمهالك، ومن رحمة المرء لنفسه أن يحميها من عذاب الله وسخطه وعقابه، وكذلك فإن أحوج الناس إلى رحمتك أولادك أبناؤك وبناتك، ارحمهم بالرفق بهم، بالتودد إليهم، بحسن تربيتهم ورعايتهم، فارحم أبناءك في الدنيا ليرحمك الله في آخرتك، ولقد كانت رحمته صلى الله عليه وسلم تتجاوز حدود أولاده وأحفاده، إلى بقية الأطفال والموالي.

 

وكثير من الناس اليوم جبار متكبر، يرى أن من المهانة أن يدنو من الأطفال ويمسح على رءوسهم ويقَبلهم، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان رحيما بالأطفال، رفيقا بهم، ثم انظر إلى رحمته صلى الله عليه وسلم عند فقد أحد الأطفال الصغار، كانت عيناه تدمعان شفقة ورحمة، وكما أن أحوج الناس إلى رحمتك وشفقتك وإحسانك وبرّك هم أقرب الناس إليك، الوالدان الأم والأب، فارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما، وأكرمهما ولا تهنهما، وتواضع لهما ولا تتكبر عليهما، فتلك وصية من الله إليك، فقال سبحانه ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” فهما يحتاجان إلى رحمتك خاصة عند المشيب والكبر، إذا خارت قواهما وصار البياض في شعورهما، والتهبت بالأحاسيس مشاعرهما.

 

فهما عند ذلك أحوج ما يكونان إلى عطفك ورحمتك وحلمك، فيحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهما بين القبور، ينتظران البعث بعد النشور، فما أحوجهما في ذلك اليوم إلى دعوة صالحة منك، ترفعها إلى الله جل جلاله أن يفسح لهما في قبريهما، فقد صارا غرباء سفر لا ينتظرون، ورهناء ذنوب لا يفكون ولا يطلقون، فارفع الأكف الصادقة إلى الله أن يرحمهما، فارحمهما بالتصدق عليهما بعد مماتهما، وارحمهما بقضاء دينهما ونذرهما، فإن الوفاء من أشرف السجايا، وأجمل الخصال، ومن أَجل ذلك فقد تنافس إلى بلوغه والاتصاف به شرفاء العرب، حتى خلدت أسماؤهم وصارت قرينة لاسمه حيثما ذكر ولذا فقد كانت العرب إذا مدحت رجلا لوفائه قالت “أوفى من السموأل” لما اتصف به ذلك الرجل من عظيم وفائه ورعايته لعهده حتى ضُرب به المثل.

 

فمما ذكرته قصص التاريخ أن امرئ القيس لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم أودع عند السموأل، دروعا وسلاحا وأمتعة تساوي مبلغا عظيما من المال، فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل لا أدفعها إلا لمن له الحق بها وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده، فأبى وقال لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء الواجب علي، فقصده لذلك ملك كندة بعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك والمصيبة أن ولدا للسموأل كان خارج الحصن، فقبض عليه الملك وأخذه أسيرا ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل، فنظر إليه السموأل من أعلى الحصن، فلما رآه قال له إنني قد أسرت ولدك، وها هو معي.

 

فإن سلمت إليّ مال امرئ القيس الذي عندك رحلت عنك وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت، فقال له السموأل والله ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي فاصنع ما شثت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز الملك عن الحصن رجع خائبا واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى أن حفظ ذمامه ورعايةَ وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال تضرب بوفاء السموأل. تنافس عليه شرفاء العرب

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار