ثالث المبشرين بالشهادة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
تحرير: محمد رأفت
ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة أن الخوارج في الفتنة الكبري، بعد قضية التحكيم بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قد خرجوا علي الإمام علي رضي الله عنه، فرتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه جيشه، وجعلت راية أمان مع الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وقال من ذهب إلى هذه الراية فهو آمن، أملا في تقليل عدد من يُقتل، ويقال أن عدد الخوارج كان اثنا عشر ألفا، ولما حاورهم عبد الله بن العباس رضي الله عنه تاب منهم أربعة آلاف، ورجعوا معه إلى علي رضي الله عنه، وبعد المحاورات والمناقشات الأخيرة رجع أربعة آلاف آخرون، وبقي أربعة آلاف على رأيهم، والتقى الجيشان فكانوا على أهبة الاستعداد للقتال، فعاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جديد.
وقال لهم هذه راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري، من توجه إليها فهو آمن، ومن عاد إلى الكوفة فهو آمن، ومن ذهب إلى المدائن فهو آمن، فبدأ البعض منهم بالانسحاب إما مكرًا وخديعة، ليخرج بعد ذلك، وإما خوفًا، فمنهم من توجه إلى راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، ومنهم من توجه إلى الكوفة أو المدائن، وتركهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما وعدهم، وبقي منهم ألف صامدون لقتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيشه، الذي قيل في روايات كثيرة إن قوامه كان ما بين الستين والثمانية وستين ألفا من المسلمين، فقرر علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتلهم.
وهكذا كان الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو ابن عمّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بشر النبى صلى الله عليه وسلم، أن موت عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين لن يكون موتا عاديا، بل سيكون شهادة في سبيل الله، فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هو ثالث المبشرين بالشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء ” اسكن حراء، فما عليك إلا نبيّ أو صديق أو شهيد” وهو علي رضي الله عنه، وقد أنبأه النبي صلى الله عليه وسلم، في موقف وحديث آخر بأنه سيُقتل بضربة في صدغيه.
ولعلم ويقين الإمام علي رضي الله عنه بما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل ويموت شهيدا، فإنه ما كان يخاف على نفسه الهلكة من أي مرض يصيبه، فعن أبي سنان الدؤولي أنه عاد أى زار، عليّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال فقلت له لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول “إنك ستضرب ضربة ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود” رواه الحاكم.