هنا نابل | بقلم المعز غني
حين يمرض الجسد … وتُصاب الحقيقة بالعدوى
في كل شتاء ، ومع أول موجة برد ، تعود الفيروسات التنفسية لتطرق أبواب بيوتنا ، كما أعتدنا منذ عقود.
غير أنّ الجديد في زمننا هذا ، ليس المرض وحده ، بل السرعة الجنونية التي تنتقل بها المعلومة ، صحيحة كانت أم خاطئة.
في أيام قليلة ، أنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك K حديثٌ عن “ فيروس خطير جدًا ” يضرب تونس ، يحمل إسمًا غامضًا: المتحور ، ورافقته أوصاف مخيفة ، ومصطلحات طبية معقّدة ، جعلت الخوف يتسلل إلى النفوس قبل أن تتسلل العدوى إلى الأجساد.
لكن … هل نحن فعلًا أمام فيروس جديد؟
وهل ما يُتداول حقيقة علمية أم خليط من الوقائع والتأويل؟
الحقيقة العلمية ببساطة
إلى حدّ هذه اللحظة ، لا توجد أي جهة صحية رسمية—لا وزارة الصحة التونسية، ولا منظمة الصحة العالمية، ولا المراكز الأوروبية ]K]المختصة—أعلنت عن فيروس جديد يُسمّى
ما نعيشه حاليًا هو موجة قوية من الفيروسات التنفسية الموسمية ، وفي مقدمتها الإنفلونزا (Grippe)، وخاصة من نوع Influenza A ، مثل H3N2 وأحيانًا H1N1.
وهنا وجب التوضيح :
ليس كورونا H1N1
بل هو نوع من الإنفلونزا الموسمية ، يختلف جذريًا عن فيروس كوفيد-19 من حيث العائلة البيولوجية وآلية الإصابة.
الإنفلونزا ، بخلاف ما يظنه البعض ، ليست دائمًا مرضًا بسيطًا. فهي قادرة ، خاصة عند كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة أو ضعف المناعة ، على إحداث أعراض قوية ومُرهِقة.
■ لماذا تبدو الأعراض أشد هذا العام؟ ■
الإنفلونزا فيروس معروف بتحوّره المستمر. كل سنة تظهر سلالات جديدة نسبيًا ، تجعل الجهاز المناعي أقل جاهزية ، خاصة لدى من لم يتلقوا التلقيح الموسمي .
كما أنّ:
تغيّر الطقس
الإكتظاظ في وسائل النقل
ضعف المناعة بسبب الإرهاق وسوء التغذية كلها عوامل تجعل الأعراض تبدو أقسى .
■ الأعراض الأكثر شيوعًا حاليًا■
كحة متواصلة ومُجهِدة
فشلة شديدة تمنع المريض من ممارسة نشاطه اليومي
سخانة
صداع
آلام في المفاصل والعضلات
إنسداد أو سيلان الأنف
أحيانًا اضطرابات هضمية خفيفة
تدوم الأعراض عادة من 5 إلى 7 أيام، وقد تطول الكحة بعد ذلك دون أن يعني الأمر خطرًا بالضرورة.
■ أين يكمن الخطر الحقيقي؟ ■
الخطر لا يكمن فقط في الفيروس، بل في:
التشخيص الذاتي عبر الفيسبوك
الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية (وهي لا تنفع ضد الفيروسات)
التهويل الذي يُربك الناس ويجعلهم يتأخرون في طلب الاستشارة الطبية الصحيحة
■ الوقاية… حين يكون الوعي علاجًا ■
الوقاية لا تعني الهلع ، بل السلوك الواعي :
غسل اليدين بإنتظام
تهوية المنازل
تجنّب الإكتظاظ قدر الإمكان
لبس الكمامة عند الشعور بأعراض تنفسية في الأماكن المغلقة
الراحة وشرب السوائل
مراجعة الطبيب عند استمرار الأعراض أو ظهور ضيق في التنفس
أما تلقيح الإنفلونزا ، فهو ليس درعًا سحريًا ، لكنه :
يخفّف حدّة المرض
يقلّل من المضاعفات
يحمي الفئات الهشة
كلمة أخيرة
في زمن الخوف السريع ، نحتاج إلى طمأنينة بطيئة ، مبنية على العلم لا على الإشاعة .
أجسادنا تضعف أحيانًا ، لكن العقول حين تمرض بالشائعات ، يصبح الشفاء أصعب.
فلنحذر المرض … لكن لنحذر أكثر من المعلومة غير الدقيقة
ولنثق أنّ الطب ، حين يُحترم ، يبقى أصدق من أي منشورٍ عابر.
هنا نابل ✍️ بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف

