حين يُحاصَر الفقراء… ويسقط المرشح قبل أن يبدأ
محمود سعيد برغش
في مشهد يتكرر مع كل موسم انتخابي، ظهر بعض المرشحين وهم يوزعون الأموال على المواطنين، طمعًا في أصواتهم، وسرعان ما تحوّل اللوم إلى الفقراء الذين قَبِلوا تلك الأموال واعتُبروا «باعوا أصواتهم مقابل جنيهات قليلة».
ولكن… هل اللوم كله عليهم؟
الفقراء أخطأوا حين قبلوا، فهذا سلوك مرفوض أخلاقيًّا ووطنـيًّا، لكنه لا ينفصل عن واقع قاسٍ يعيشونه يوميًّا.
إنهم ضحايا ظروف خانقة، واحتياجات لا تنتهي، وفقر يضغط عليهم حتى تضيق بهم الحياة. وحين يمتد إليهم أحد بالمال، يندفعون إليه، لا طمعًا بل بحثًا عن قُوت يومٍ لا يعرفون كيف يأتي.
وهذا — رغم أنه ليس مبررًا — يفسّر حجم الألم الذي يعيشونه.
السؤال الذي يجب أن يُطرح بلا تردد:
إذا كان المرشح قادرًا على توزيع آلاف الجنيهات في يوم واحد، فلماذا لا ينفق على الفقراء طوال العام؟
أين يختفي هذا الكرم حين تنتهي الانتخابات؟
لماذا لا يظهر إلا عندما يحتاج إلى الأصوات؟
أين دوره تجاه الأرامل والمحتاجين والمرضى والعاملين بجهد لا يطعمهم يومهم؟
إن إنفاق المال على الفقراء وقت الانتخابات فقط يكشف أن ما يُقدّم ليس صدقة ولا رحمة… بل وسيلة للوصول إلى المقعد.
وهنا يسقط المرشح أخلاقيًّا قبل أن يدخل البرلمان سياسيًّا.
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ – النساء 29
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ – التغابن 16
﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ – هود 113
قال ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»
وقال ﷺ: «من غشنا فليس منا»
وقال ﷺ: «كاد الفقر أن يكون كفرًا»
عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«لو أن دابة عثرت في العراق لسُئل عنها عمر: لِمَ لمْ تُمهّد لها الطريق؟»
علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«ما جاع فقير إلا بما متّع به غني»
الإمام النووي: “الرشوة محرمة بإجماع العلماء”.
ابن تيمية: “الراشي والمرتشي شريكان في الفساد”.
“إن الله جعل الغنى والعدل حصنين للأمم، فإذا فُقد أحدهما تهدّمت الأمة.”
الشرع يحرّم الرشوة تحريمًا قاطعًا، ويحمّل الطرفين المسؤولية،
لكنّه أيضًا يفرّق بين من يعطي المال لاستغلال الناس،
ومن اضطر لقبوله بسبب الحاجة الشديدة،
فالأول فاسد، والثاني ضعيف أرهقته الظروف.
الفقراء أخطأوا… نعم،
لكن المرشح الذي استغل فقرهم أخطأ قبلهم وأعظم منهم.
وإذا كان يملك المال…
فالأحق به أن ينفقه لرفع معاناة الناس،
لا أن يشتري به طريقه نحو البرلمان.

