خلق أصيل لا يتصف به إلا المؤمن الحق
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد لقد حث الإسلام علي الرفق مع الحيوان حيث أن في الإسلام يتعدي الرفق من الإنسان إلي الحيوان، ولقد حكت لنا كتب السنة قصة الرجل الذي رفق بكلب فسقاه من العطش فغفر الله له وادخله الجنة، وقصة المرأة التي حبست هرة حتى ماتت فدخلت بسببها النار، وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك سعادة الإنسان وأمنه، وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال إثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” رواه أحمد.
وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها أي استقت له بخفها فغفر لها ” رواه مسلم، فقد غفر الله تعالي لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب، وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض” رواه البخاري ومسلم، وعن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “دنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم، فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قال ما شأن هذه؟ قالوا حبستها حتى ماتت جوعا ” وقال النووي في شرح هذا الحديث عن الإمام مسلم، إن المرأة كانت مسلمة وإنها دخلت النار بسببها.
وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها كبيرة ” وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وسم في وجهه فقال “لعن الله الذي وسمه” وفي رواية له ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه ” ورواه الطبراني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يسم في الوجه، وروى الطبراني أيضا عن جنادة بن جراد أحد بني غيلان بن جنادة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بإبل قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله “يا جنادة فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه أما إن أمامك القصاص ” فقال أمرك إليها يا رسول الله، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال مرّ حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي وجهه يفور منخراه من دم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله من فعل هذا” ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب في الوجه ” رواه الترمذي، والأحاديث في النهي عن الكي في الوجه كثيرة، وقد حرمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم أي أن تحبس لترمى حتى تموت كما حرمت المثلة وهي قطع أطراف الحيوان، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل” وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال “لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان” وقال العقيلي جاء في النهي عن صير البهيمة أحاديث جياد، وقال ابن حجر وفي هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان ” والتحريم يقتضي العقاب، وكل ذلك يؤكد أن الرفق في الإسلام خلق أصيل لا يتصف به إلا المؤمن الحق ولا يلتزم به إلا من عرف الإسلام معرفة الموقن بأنه الدين الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويرفع من شأن القيم والفضائل.