رجال الثقافة
د. شيرين العدوى تكتب
رجال الثقافة
الحياة الثقافية مليئة برموز أثروا طرقها وأناروا دربها، أعطوا الكثير ولم يأخذوا إلا القليل، لم يطلبوا شيئا لأنفسهم على مدار سنوات طويلة. لم يغادروا أماكنهم فى الأقاليم، ورغم ذلك غزوا الحياة الثقافية وأمدوا العاصمة بمبدعين حقيقيين.وربما هؤلاء المبدعون أصبحوا أكثر شهرة ممن وقفوا بجانبهم فى بداية مشوارهم الثقافى وربما نسوهم وهكذا هى الحياة. هؤلاء النبلاء يعطون بلا مقابل؛ ذلك لأنهم كبار بحق
منهم الشعراء: أ.د. مصطفى رجب فى سوهاج، أ. جميل عبدالرحمن، أ.د. محمد أبوالفضل بدران فى الأقصر، محمود شرف فى طنطا ورغم صغر سنه فإنه يقوم بنفس الدور الآن، سعد عبدالرحمن الذى غادرنا هذا العام على حين غفلة، وآلم كل أبناء الصعيد وغير الصعيد لنبله وحدبه على الحياة الثقافية. وفى كفر الشيخ كان ممدوح متولى رحمه الله ومحمد الشهاوى أمد الله عمره، وفى المنصورة كان أ.مصطفى السعدنى وعالم الاجتماع أ.د. محمد غنيم، وفى القاهرة صالون أ.د. محمد حسن عبدالله هذا الصالون الثرى الذى أخرج العديد من رموز الشعر والنقد.
من هؤلاء شاعر وناقد كبير دفع من جيبه ليقدم جائزة للشباب فى وقت انهيار الثقافة بعد ثورة يناير 2011 لتستمر الثقافة شامخة، تدرج فى المناصب حتى صار رئيسا للجنة الترقيات العلمية بالأزهر الشريف، يطالعنا صوته كل صباح بتفسير أجمل الآيات من الإذاعة.
ذلكم هو الشاعر أ.د. صابر عبدالدايم، لم أجد أديبا موسوعيا مثلما وجدت أ.د.صابر فما أن يوجد فى ندوة أدبية أو ثقافية إلا وتجده عالى الدراية لديه ما يضيفه. ربما فى خضم الأسماء المميزة ننسى من كانوا معبدين للطرق. إنها آفة المجتمع الثقافى نفى الآخر، بينما المجتمع السوى الواثق من نفسه يفرح بالجميع، ذلك لأن بناء الثقافة التليد يحتاج لكل لبنة ليكتمل ويعلو. لشاعرنا أكثر من خمسين عملا نقديا ناهيك عن الأعمال الشعرية الكاملة فى ثلاثة مجلدات ضمت العديد من الدراسات بأقلام نخبة من كبار النقاد والأدباء من أمثال العلامة عبدالحكيم حسان، أ.د. محمد أحمد العزب،
حيث يؤكد د محمد العزب خصوصية الشاعر صابر عبدالدايم الإبداعية وأنه يدهش قارئه بخصوصيته الإبداعية. فشعره حافل بقضايا عصره، وهموم وطنه وأمته، لا يفتر عنها لحظة من ليل أو نهار، يتنوع شعره بين الدينى، والوطنى، والاجتماعى ، والعاطفي ، ولكنه دائما كعادة الشعراء الرومانسيين يربط كل هذا بوجدانه معبرا عن ذاته، وهو بارع فى رسم الصورة الشعرية الجزئية والكلية ،
فإذا ما توقفنا عند قصيدته «طائرالبرق» من ديوانه العاشق، والنهرمن المجلد الأول وجدناه يستنفر فى المتلقى تأمله وخياله وكأنه يتحدث عن نفسه والشعر حيث يقول: (سابح فى فضاء النهايات/ يطلق سر الحكايات/ يزرع فى رحم الأرض أقماره/ كان نجما من الطين يطلع/ يسقى بماء التكاثر/ ينتصب اليوم ساقا من الخصب/ يسكب فينا له ناره/ إنه الآن سنبلة تتقاذفها الريح/ تنثرها فى المدارات). فلا تنثروا أعمال الكبار هباء وكرموهم قبل الرحيل.