رحلة الأتوبيس البرمائي تكشف سر الجدل الكبير
كتب/ حازم علي أدهم
في زمن تتداخل فيه الحقيقة بالضجة ويتحول كل قرار حكومي إلى مادة خام يتداولها الناس دون توقف ظهر الأتوبيس البرمائي كواحد من أغرب وأشهر الموضوعات التي شغلت المصريين في الأيام الأخيرة فهذا المشروع لم يكن مجرد وسيلة نقل عادية ولا كان مجرد تجربة ترفيهية بسيطة بل تحول إلى مساحة واسعة من الشك والدهشة والتساؤلات التي بدأت على المقاهي وصفحات التواصل وانتقلت إلى الشارع في صورة أسئلة مباشرة هي الحكومة بتشتغلنا ولا إيه الحكاية لماذا التذكرة غالية وهل يستحق الأمر كل هذا الصخب ولماذا المقارنة أصلا بين الأتوبيس البرمائي والمركب النيلي رغم أن كل واحد منهم يخدم مزاج وهدف مختلف تماما
من البداية لازم نفهم إن الأتوبيس البرمائي تجربة فريدة في مصر فهو ليس تاكسي مائي ولا وسيلة نقل تستخدمها كل يوم لكنه أشبه برحلة مغامرة تبدأ على الطريق وتنتهي في المياه وهذا في حد ذاته عنصر بالغ الجاذبية لأي شخص بيبحث عن حاجة مختلفة حاجة تصورها يشعل السوشيال ميديا ويخلي الناس تتكلم عنه لأنه ببساطة بيقدم تجربة أول مرة تحصل عندنا تجربة تجمع陸 والبحر في مشهد واحد
ورغم ده كله بدأت الانتقادات تظهر أولها مسألة السعر لأن أغلب الناس نظرت للأتوبيس البرمائي باعتباره وسيلة مواصلات والناس بطبيعتها تقارن أي سعر عالي بأنها يا تركب ميكروباص يا تركب تاكسي يا تركب أتوبيس نقل عام لكن الحقيقة إن المشروع نفسه مبني على مفهوم ترفيهي مش نقل جماهيري وده يغير زاوية النظر كلها تماما
لو بصينا لتذكرة البرمائي هنلاقي أنها بتتراوح من مئتين جنيه لحد حوالي تلت مية وخمسين جنيه وده رقم يخلي ناس كتير تحط إيدها في خددها وتقول ده أنا أركب مركب في النيل بعشرين جنيه وأشرب شاي وأقعد ساعتين لكن المقارنة هنا ظالمة لأن المركب النيلي تجربة مختلفة المركب رحلة هادية ونسيم وبساطة أما الأتوبيس البرمائي فهو فكرته إنك تتحرك على الأسفلت وسط عربيات وناس وزحمة وبعدها فجأة تنزل بنفس المركبة إلى قلب النيل وكأنك اتنقلت من عالم لعالم في ثواني
ومع ذلك ماينفعش نهرب من السؤال المهم هل السعر مبالغ فيه ولا منطقي هنا لازم نعرف خط السير نفسه لأن البرمائي مش مجرد مركبة طافية على المياه لكنه يبدأ رحلته من المتحف المصري الكبير على طريق الواحات وده وحده مكان ضخم وجاذب وبيكمل لحد متحف الحضارة مرورا بمشاهد سياحية وترفيهية لو اتعرضت على سائح أجنبي هيقول إنها من أفضل التجارب اللي ممكن يعيشها في قلب القاهرة واللي عاش تجربة شبيهة في بلاد زي هولندا او سنغافورة او تركيا يعرف إن السعر المتداول عندهم أعلى بكتير من الرقم المصري
أما المركب النيلي فقاعدته مختلفة تماما هو مشروع بسيط في إقبال واسع ومتاح لكل الناس من خمسين لحد مية وخمسين جنيه حسب المكان ونوع المركب والخدمة لكنه ما بيقدمش عنصر المفاجأة ولا الدمج بين اليابسة والماء ولا فكرة الدخول إلى النيل فجأة وبشكل سينمائي يخلي الناس تصرخ وتضحك وتنذهل في نفس اللحظة
ولو دخلنا في المشهد الاجتماعي هنلاقي إن كل وسيلة فيهم لها جمهور المركب جمهوره ناس جاية تهدى ناس عايزة تفصل تهرب من الزحمة تستمتع بشاي على الهادي او أغنية في الخلفية على المرسى أما جمهور البرمائي فهم ناس رايحة تعمل بووم رايحة تعيش تجربة جديدة تليق بالتصوير والمغامرة والضحك والانبهار الناس اللي بتحب توري أصحابها إنها كانت في مكان مختلف مش مجرد خروجة عادية
المشكلة الأكبر إن البعض بدأ يتعامل مع الموضوع كأنه نوع من الاستفزاز وكأن الحكومة طرحت خدمة غالية على الناس ومش فاهماهم لكن الحقيقة إن المشروع مش موجه للجميع بنفس الدرجة هو نشاط ترفيهي له تكلفة كبيرة وبيمر باختبارات وتعقيم وتجهيز عائمات خاصة ومعدات أمان مش موجودة في المركب العادي وده يرفع التكلفة مهما حاولت تخفضها
لكن المفاجأة الكبيرة اللي هتزود الجدل وفي نفس الوقت هتقطع الطريق على أي شكوك إن الحكومة أعلنت إن في الإطلاق الرسمي للمشروع هتكون في رحلات مجانية بالكامل للجمهور أي حد هيقدر يجرب الأتوبيس البرمائي بدون ما يدفع جنيه واحد وده يخلي التجربة مش بس ممتعة لكنها مفتوحة للجميع تشوف بنفسك وتقرر بنفسك وتعرف هل تستحق إنك تدفع تذكرتها بعد كده ولا هي مجرد تجربة لطيفة وخلاص
والجزء الأهم اللي محدش ركز عليه إن وجود مشروع زي ده بيفتح نوع جديد من السياحة الترفيهية في القاهرة وده شيء مهم جدا لأن العاصمة تحتاج دايما لمشروعات ترفيهية تضيف تجربة مختلفة للسائح وحتى للمواطن اللي عايز يحس إن بلده بتنقل أفكار جديدة وتقدم خدمات حديثة وده غير إنه يعطي انطباع للعالم إن مصر بتجرب وتبتكر وتنافس مدن عالمية في جذب السياحة العائلية والترفيهية
وغير كده كله لو بصينا للمدن الكبرى في العالم هنلاقي إن كل مدينة بتسعى تقدم حاجة فريدة على أرضها نيويورك عندها الباص الأحمر المكشوف باريس عندها البواخر السياحية لندن عندها الباص النهري سنغافورة عندها البرمائي اللي يعتبر أغلى من المصري بثلاث أضعاف على الأقل فظهور البرمائي في القاهرة يؤكد إن البلد ماشية في اتجاه تنويع الخدمات وربط الماضي بالحاضر والسياحة بالترفيه
الناس اللي زعلت من السعر عندها حق من ناحية إحساس المواطن لكن لما تبص للصورة كاملة هتكتشف إن الموضوع أشبه بتذكرة دخول عالم مختلف مش مجرد وسيلة نقل بتوديك من نقطة ألف لنقطة باء والأهم إنك حتى لو شايف السعر عالي قدامك الأيام الجاية فرصة للتجربة مجانا وهتعرف وقتها إن الجدل كله كان سببه إن المشروع جديد على الثقافة العامة مش لأنه استغلال أو رفاهية مبالغ فيها
وفي النهاية لازم نقول إن الجدل نفسه ظاهرة صحية لأنه يعكس أن المواطن المصري أصبح أكثر وعيا وأسرع في التساؤل وده شيء مهم لأنه يجبر أي جهة حكومية على الشفافية والرد والتوضيح والمشروعات الترفيهية زي البرمائي هتفضل تعمل ضجة لأنها ببساطة خارج الصندوق خارج توقعات الناس وتفتح باب لسؤال أكبر هل مصر جاهزة تبدأ نوع جديد من الترفيه والسياحة المحلية والإجابة الأقرب نعم بدليل إن الناس رغم النقد متحمسين يعرفوا اكتر ويجربوا اكتر ويتكلموا عنها اكتر
وبين مركب هادي في النيل وأتوبيس يقفز من الأسفلت إلى الماء تبقى الحقيقة إن كل مشروع منهم يخدم مزاج مختلف وهدف مختلف وتظل التجربة الجديدة هي الأقوى لأنها تكسر الروتين وتضيف للمدينة نبض جديد وروح جديدة وتحسس المواطن إن بلده تتحرك للأمام حتى لو ببطء لكنها تتحرك وفي النهاية الحكم لك أنت بعدما تجرب بنفسك وتشوف بعينيك وتقرر بقلبك
رحلة الأتوبيس البرمائي تكشف سر الجدل الكبير


