زمن العُميان

يَرى الأبيضَ والأسود والرمادي ولا يُصدّقه أحد، يرى النور بعينيه ويرى المستقبل المُظلِم بقلبه، يساعد فيخسَر، يُحِبُّ فيُكْرَه. يتخبطون بأفكارٍ سوداء، يبيعون شرفهم، يخونون فيُكْرَمون؛ فيراهُم دُمًى اسفنجيةً صغيرة تمتص دِماء الشرفاء.
يتحاورون ويتشاورون فيقررون نَحْرَ الخير وتربية الشرور، يديرون ماكِينةً لنهب الثروات ويقتاتون مِن لحوم الضعفاء؛ فيراهُم كقطيع خنازير برِّية جائعة حبيسة في كهفٍ فريد تقتات من بهيمة مريضة.
حَمَلوا الدّجالين فوق أعناقهم، انحنوا لأسيادهم لتصعيدهم إلى قمة الظلم والفساد، صنعوا اقفاصًا للعصافير وحظائر للماشية وأحواضًا للأسماك، أفسدوا البحار والأنهار والأرض والهواء فأكلوا مما خرَّبوا وشربوا مما أفسَدوا؛ فصارت حياتهم حظيرةً فاسدة.
يَحْمِلُون الخناجر والمقاريض لفقء أعين المبصرين وقرض ألسنة قالة الحق، فأصبح يمشي حزينًا مُكبًّلًا بسلاسل العُميان فيتحدث توريةً يُنكِر الباطل في صورة غربية ساذجة ويمدح الحق في صورة الباطل؛ فصارت كتاباته أشبه بنقوشٍ فرعونية على قلوب العُميان.
محمد عبد المرضي منصور
أديب مصري
زمن العُميان

