سبب إعطاء الفرصة والتمكين لكل مبطل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله مصرّف الأوقات وميسر الأقوات فاطر الأرض والسماوات أهل الفضل والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا لعبادته ويسر لنا سبل الطاعات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة ويسير التشريعات، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات وأكرم البريات وعلى آله السادات وأصحابه ذوي المقامات والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكلوا من الطيبات واعلموا الصالحات فاليوم حياة وغدا ممات، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، وقيل أنها تفسد منهج الحكم في الأمة أيّا كان منهجها، فإذا كان يقتضي كتاب الله تعالي في بلد إسلامي فإنها ستجعله يغير هذا المنهج ويحكم بهواه وهوى من أرشاه.
وهذا أشد خطرا عليه هو، كما قال ابن مسعود إنه كفر مستدلا بقوله تعالى كما جاء في سورة المائدة ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” وكما أن من أضرار الرشوة هو أن يفقد المجتمع الثقة في الحكم، فلا يعول أحد على منهج القضاء والتحاكم لأخذ الحق، وعندئذ فلا يكون أمام المظلوم إلا أن ينتقم لنفسه، ولا عند صاحب الحق إلا الإحتيال لأخذ حقه بيده، وفي هذا كله من الفساد مالا يعلم مداه إلا الله تعالى، وبالتالي ينقلب منهج الإصلاح الإجتماعي، فبدلا من أن يتعاون الناس على البر والتقوى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون على العكس من ذلك كله، وفي هذا مضيعة للأمة كلها، كما ضاعت أمة بني إسرائيل كما قال تعالى في موجب لعنهم ” كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” وكما أن من أضرار الرشوة.
هو إعطاء الفرصة والتمكين لكل مبطل ليتمادى في باطله، فتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتسفك الدماء بدون أي مبالاة، تعويلا على أنه سيعبر على جسر الرشوة دون أن يلقى جزاءه، ومن مجموع كل ذلك ستقعُ الفرقة والشحناء والتقاطع في المجتمع، وإذا جاوزنا مجال الولاة والحكام فإننا نجد بساحتهم وقريب منهم قرب الفم من الرأس كل من ولي أمرا للمسلمين فلم ينصح لهم حتى يرى الرشوة بعينه أو ينالها بيده، أو تظهر في نطاق عمله وإن كان هو عفيفا لكنه تغاضى عنها بالنسبة إلى من تحت ولايته، وفي إستطاعته منعه منها، وذلك على حد قوله صلى الله عليه وسلم ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ” إلي آخر الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” والمفاسد في هذا المجال عديدة منها تعطيل الأعمال بغية بذل الرشوة.
وبالتالي تكديسها وعدم إنجازها، ويترتب عليه كساد العمل في البلدة وقلة الإنتاج والمضرة على المجتمع بكامله، وذهاب قيمة هذا الجهاز بكامله أدبيا وخلقيا وقريبا من ذلك رسميا، وقد يؤدي إلى تغيير في الجهاز، ويفشو في الناس أن الرشوة هي السبب فتكون مسبة وعارا، وكما أن من أضرار الرشوة هو ما يقع في الجمارك وعلى الحدود التي هي بمثابة الثغور، فقد تكون سببا في إدخال ما هو ممنوع لشدة ضرره كالممنوعات الدولية من مخدرات ونحوها، أو إخراج ما تمس الحاجة إليه، ففي الأول تمكن عملاء السوء من بث سمومهم في الأمة لإفساد الأبدان وضياع الأديان، بل وإفساد الأموال والعقول، وما يجر فساد الفعل وراءه من ويلات، وكل ذلك بسبب رشوة يدفعها العامل لعامل الجمرك، وفي الثاني حرمان الأمة مما هو من حقها أن ترتفق به وتتوسع في استعماله فيتيح الفرصة للمهربين وتحصيلهم مصلحة أنفسهم في اتجارهم في ضروريات الأمة.
سبب إعطاء الفرصة والتمكين لكل مبطل