سر الطيران والتحليق في السماء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله كما أمر وأشكره على نعمه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما إنبلج فجر وإنفجر وسلم تسليما كثيرا، أما بعد اعلموا يا عباد الله أن الله عز وجل أنعم علينا بنعم كثيرة، فآلاؤه غزيرة، وأياديه جليلة تستدعي العقول للتأمل والإنتباه، ومن أجلّ نعم الله على البشر، هو نعمة الهواء الذي يحيط بنا، تلك النعمة التي لم يملكها الله تعالى لأحد، ولم يحجزها ويمنعها أحدا من الأحياء، بل ساوى بين الجميع في وجوه الانتفاع بها، فمن الذي يقدر أن يمنع عن الإنسان النفس الداخل، أو يقف ويسد عليه طريق النفس الخارج؟ ولقد وفر الخالق جل جلاله الهواء بكميات هائلة.
تكفي حاجة الكائنات، ويسر مكانه على وجه الأرض دون أن تتعب أو تتكلف في جمعه أو نقله أو تخزينه، أو تخشى من فقدانه أو ضياعه، فعندما يتأمل الإنسان في الطير المسخر بين السماء والأرض، يذهل حقا من القدرة التي تمسكه في الهواء أجل، إن تلك القدرة، جعلت الهواء يحمل الطيور، ويسر وحبب إليها الطيران والتحليق في السماء، وبدون الهواء ما كان لطائر أن يطير، فالطيور تدفع كميات الهواء اللازمة لتسبح عليها، ولم يقتصر الهواء على حمل الطيور فقط، بل تراه اليوم يحمل الطائرات بأثقالها، كما تحمل البحار السفن، ولولا وجود الهواء لما حلقت الطيور في الفضاء، ولما تمكنت الطائرات من الإقلاع من مدرجات المطارات، والهواء هو الذي يمكننا من سماع بعضنا البعض، لأنه الوسيط الذي تنتقل فيه الأصوات وإنه نعمة عظيمة.
وأقل ما يجب علينا أن نحفظه نقيا خاليا من الملوثات، واعلموا أن الهواء الجوي ليس عنصرا واحدا، بل هو خليط من عدة غازات مختلفة، تحافظ هذه الغازات على خصائصها ولا تتفاعل مع بعضها البعض، ولو كانت تتفاعل مع بعضها البعض لتكونت من غازات الهواء مواد أخرى، ولحرمنا كل النعم التي خُلقت من أجلنا في الهواء، وعندما يتأمل الإنسان في الطير المسخر بين السماء والأرض، يذهل حقا من القدرة التي تمسكه في الهواء فإن تلك القدرة، جعلت الهواء يحمل الطيور، ويسر وحبب إليها الطيران والتحليق في السماء، وبدون الهواء ما كان لطائر أن يطير، والهواء كتلة من الغازات تحيط بالكرة الأرضية، ويزن هذا المحيط من الهواء حوالي خمسة آلاف مليون مليون طن، ويسلط منه على رؤوسنا حوالي خمسة عشر باون أي رطل لكل بوصة مربعة.
لكننا لا نشعر بهذا الضغط لأن الخالق الحكيم الرحيم أوجد ضغطا لدماء وسوائل الجسم ما يعادل هذا الضغط الخارجي للهواء ويتناسب معه، ويحتوي الهواء على نسبة ثابتة من الأكسجين مقدارها واحد وعشرون بالمائة وبالرغم من إستهلاك الأكسجين المتسمر في عمليات التنفس، تبقى هذه النسبة ثابتة لا تزيد ولا تنقص، فقد أوجد الله النبات الذي يعطي الأكسجين بإستمرار فيفي حاجات الحياة، ولو نقصت نسبة الأكسجين لقضي على الكائنات الحية، كما أنه لو زادت نسبته لإشتعلت الحرائق في كل مكان، إذ إنه يساعد على الإشتعال، وكثيرا ما نرى الرياح تنتقل بقوة عارمة، وتنقل معها الهواء من مكان إلى مكان، وأحيانا تقلع الأشجار، وتخرب البنيان، ثم تغادر الأرض فلا يبقى لها أثر، فلم لا يغادر الهواء الأرض أيضا؟ والجواب أن الله تعالى قد جعل للأرض جاذبية.
تمسك بالغلاف الهوائي فلا يغادرها حتى تستقيم الحياة على الأرض، لأنه لولا وجود الهواء لما كانت هناك حياة على وجه الأرض، وجعل الله تعالى الهواء غازا قابلا للانتشار يملأ أي حيز من الفراغ فيسهل تنفس الكائنات، وجعله في طبقات مختلفة ذا تركيب شفاف يسمح بنفاذ الضوء، فيسعى الإنسان في النور، وتتزين السماء باللون الأزرق الجميل، ويقوم الهواء بتلقيح الأزهار، ولولا ذلك لتعذر الحصول على الطعام والح
ب والثمار.
- سر الطيران والتحليق في السماء