المقالات

سياسة اليوم المفتوح

سياسة اليوم المفتوح

لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة عادل شلبى 

سياسة اليوم المفتوح

من أهم، وأول، الدروس التي تعلمناها، في القوات المسلحة المصرية، أن لقاء القائد بجنوده، هو السبيل الأمثل لاستمرار التواصل بين مستويات الإدارة المختلفة، للتعرف على مشاكل الفرد ومطالبه، بحيث تتضح الصورة بأكملها أمامه، ويكون ملماً بكافة الأحداث داخل الوحدة نفسها وخارجها.

وعندما وصلت مسيرتي العسكرية لنهايتها، وانضممت لمنظومة العمل في القطاع المدني، حملت معي ما درجت عليه، طوال مدة خدمتي بالقوات المسلحة، وطبقت ذلك في كافة المواقع المدنية التي عملت بها، إلا أن ذلك الأسلوب في الإدارة، اتخذ شكلاً آخر في الأقصر، عندما كنت محافظاً لها، فمنذ اليوم الأول لتولي منصبي، حددت يوم الأثنين، من كل أسبوع، ليكون يوماً مفتوحاً، أقوم خلاله بمقابلة أبناء المحافظة، في قاعة الاجتماعات الرئيسية، بدءاً من التاسعة صباحاً، بحضور كل النواب، والمساعدين، ووكلاء الوزارة الممثلين لوزارتهم، مثل وكلاء إدارات وزارات الزراعة، والتعليم، والصحة، والري، وغيرهم.

وعودت نفسي أن استهل اللقاء بشرح مختصر عن مراحل خطة تطوير المحافظة، وموقفها التنفيذي، وذلك حتى يعلم المواطن ما يجري على أرض الواقع، وليطلع على الخطوات اللاحقة، من الخطة، وذلك بهدف دحض الشائعات والأخبار الكاذبة، التي كان يطلقها عدد من المتضررين من أعمال التطوير، أو المنتفعين من الإبقاء الوضع على ما هو عليه، لإثارة الشارع الأقصري. فكان ذلك “اليوم المفتوح”، بمثابة ما يُطلق عليه، الآن، “الحوار المجتمعي”، والحقيقة أنه كان يتيح لي فرصة للاستماع لرأي المواطن في عملية التطوير، وهو ما كنت أستفيد منه، كثيراً، لأنه، برأيي، أن المستفيد النهائي، أقدر على تحديد احتياجاته، من مهندس التخطيط، دونما إخلال بالقواعد العلمية، والهندسية، لعملية التطوير.

أما الجزء الثاني من اللقاء، فخصصته للاستماع لشكاوى المواطنين، في أي مجال، وهو ما كانت تتكشف خلاله الكثير من الحقائق، فها هي أم تصرخ شاكية عن الوضع التعليمي، في مدرسة ابنتها، التي لم تتلق درساً واحداً في مادة الرياضيات، لأكثر من شهرين، بسبب عدم وجود مدرس للمادة. وعلى أثر ذلك يتحرك، فوراً، السيد وكيل وزارة التعليم في المحافظة، مع مساعد السكرتير العام، تصاحبهم السيدة المُتقدمة بالشكوى، إلى المدرسة، لاستجلاء الحقيقة، ومحاسبة المُقصرين، والأهم من ذلك، حل المشكلة، وتصحيح الوضع، بوجود مدرس رياضيات، في الفصل محل الشكوى، في اليوم التالي.

وها هي شكاوى أخرى من تأخر نوبة الري، أو تأخر إصدار رخص المباني، أو الشكاوى من سوء معاملة الموظفين المختصين مع المواطنين، أو سوء الخدمة الطبية في أحد المستشفيات، أو غياب الطبيب، أو عدم توفر بعض الأدوية، بما يتطلب توفير بديل لها. وآخر يشكو ارتفاع أسعار اللحوم، وبالبحث في الأسباب، اكتشفنا أن السبب يعود لقلة المعروض في المحافظة، نتيجة تفضيل المنتجين لبيع منتجاتهم لفنادق البحر الأحمر، بما يحقق لهم زيادة في هامش الربح. وخلال هذا اللقاء قد تظهر مشاكل تحتاج إلى تصديق من الوزير المختص، أو إلى التنسيق مع إدارات ووزارات مختلفة، وهو ما كان يتم خلال اللقاء، أو بعده مباشرة. أما المشكلات التي يحتاج حلها إلى تمويل جديد، كان يُعد بها قائمة للعرض على السيد رئيس الوزراء، خلال مجلس المحافظين التالي.

ومن خلال هذه اللقاءات تعرفت على مشكلة ضعف المياه في بعض المناطق، وتم استصدار القرارات اللازمة لحلها، ومتابعة تنفيذها، كما تعرفت على مشكلة البلاعات المكشوفة، الناتجة عن سرقة غطاءات البلاعات، ولم ينتبه لها رئيس الحي المسئول، وتصديت لمشكلات أسلاك الكهرباء المكشوفة، في بعض أعمدة الإنارة، لتفادي الكوارث التي قد تنجم عنها، كذلك تدهور حالة بعض الطرق، نتيجة لعدم إعادة الشيء لأصله، بعد أعمال الحفر لإصلاحات البنية التحتية، مثل الكهرباء أو المياه، وهو ما تسبب بمشكلات إضافية، منها تراكم أكوام القمامة، فلم أكتف بحل المشكلة الرئيسية، وإنما وضعت خطة لنظافة الشوارع، والتخلص من القمامة، وفي خلال شهرين كانت شوارع الأقصر مثال يحتذى به في النظافة، وتعلم المواطن الأسلوب الأمثل للتخلص من النفايات.

لا أذكر أن هذا اللقاء انتهى، يوماً، قبل الساعة الخامسة من مساءً يوم الاثنين، من كل أسبوع، وبالطبع، فإن تعزيز شعور المواطن باهتمام قيادته باحتياجاته، من خلال حل مشكلات المواطنين كانت فائدته الأولى، إلا أن المكسب الأهم والفائدة الأكبر، تمثلت في معرفتي بنقاط الضعف داخل المحافظة، وكيفية إدارة دولاب العمل في معظم الإدارات بها، بما يضمن حُسن الإدارة، بتلافي مواطن الضعف، والعمل تحسين جودة الخدمات المُقدمة للمواطن، بدلاً من العمل بأسلوب التصدي للمشكلات الفردية، بعد تصعيدها. فقد كنت أرى أن مثل تلك المشكلات، لابد وأن تحظى باهتمام المحافظ، ويحق للمواطن أن يطالبه بحلها، على الفور، وهو ما كان يحدث دوماً، طالما لم تُحل من خلال قنواتها الطبيعية.

وبينما قد يظن البعض أن مثل تلك الشكاوى تندرج تحت بند الصغائر، إلا أنها، في الواقع، كانت من الأمور التي تهم المواطن في الشارع الأقصري، وتؤثر على حياته اليومية، وبعد اتباع سياسة “اليوم المفتوح”، أصبح المواطن هو الرقيب على المسؤول، وصار المرؤوسون حريصين على إرضاء المواطن، وتقديم الخدمات بالصورة التي يستحقها المواطن … لذلك أقول دائماً، ودونما تحيز، أن القوات المسلحة هي مدرسة الإدارة والعلم، التي يمكن تطبيق جميع دروسها في كافة نواحي الحياة المدنية. 

سياسة اليوم المفتوح 

سياسة اليوم المفتوح

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار