شيوخ الإمام الحافظ ابن سعد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية وكما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن علماء الإسلام وأئمة المسلمين وكان من بين هؤلاء الأئمة الإمام إبن سعد هو ابن منيع الحافظ العلامة الحجة أبو عبد الله البغدادي، وقيل أنه قد اعتمد معظم من أحصى شيوخ ابن سعد عليه، وبنوا عليه استدراكاتهم مكانته العلمية مما لا شك فيه أن ابن سعد قد حاز مكانة عليّة، وحظى بالقبول والرضا لدى أهل العلم، متقدّمين ومتأخرين، ووصفه غير واحد منهم بأنه من أهل العلم والفضل، وأحد المصنفين المجيدين، وأحد الحفاظ الكبار وكتابه الطبقات الكبرى خير شاهد على ذلك، وقد تكلم فيه يحيى بن معين، وهو من شيوخه المباشرين له وكلامه لا يستهان به في الجرح والتعديل ومعرفة الرّجال، فقد روى الخطيب البغدادي بسنده.
عن الحسين بن الفهم قال ” كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا يحيى بن معين، فقال له مصعب يا أبا زكريا حدّثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا، فقال له يحيى كذب ” وهذه العبارة من يحيى بن معين كادت أن تعكر على ابن سعد مكانته الحديثية، ولا سيما أنها صدرت من إمام جبل عارف بأحوال الرّجال، غير أن العلماء لم يحملوا هذه العبارة على ظاهرها، ووجهوها توجيهات أخرى ودافعوا عن ابن سعد بما يليق بحاله، فقال الخطيب البغدادي معقبا على تلك الحكاية ” ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعبا الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثا من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب ” وقال السمعاني ” لعل الناقل عن ابن معين.
بأنه غلط أو وهم لأنه من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته” وقال الذهبي ” هذه لفظة ظاهرها عائد إلى الشئ المحكي، ويحتمل أن يقصد بها ابن سعد، لكن ثبت أنه صدوق ” ولعلّ ابن سعد أوتي من قبل شيخه الواقدي، وإكثاره من الرواية عنه ومعلوم حال الواقدي عند المحدّثين، وقد أفصح ابن الصلاح عن ذلك بقوله هو ثقة، غير أنه كثير الرواية عن الضعفاء، ومنهم الواقدي، وهو محمد ابن عمر ” وقال السخاوي عند ذكره لابن سعد وهو في نفسه ثقة والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء مثل هؤلاء، لا سيما مع عدم تمييزهم، ومع الاستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة ” وفي الجملة فإن كلام ابن معين في ابن سعد مُجمل غير مفسّر.
ومعلوم أن ابن معين من المتعنتين في الجرح، وقد قابل كلامه توثيق أئمة معتبرين في هذا الشأن، وعلى رأسهم أبو حاتم الرازي حيث قال يصدق، رأيته جاء إلى القواريري، وسأله عن أحاديث، فحدّثه “. والقاعدة تقول: إذا ضعّف الناقد المتعنت راويا ووثقه آخر مُعتبر، فلا يقبل منه جرحه إلا مفسّرا، وهي تنطبق تماما على ما نحن فيه وفي الحكاية التي ذكرها أبو حاتم عن ابن سعد مع عبيد الله بن عمر القواريري، دليل واضح على صدق ابن سعد وتواضعه، إذ القواريري من أقرانه، فلم يستنكف ابن سعد أن يسأله عن أحاديث شيوخ قد شاركه في الرواية عن كثير منهم، أو بعضهم.
شيوخ الإمام الحافظ ابن سعد