صدمات جراح الخيانة ( العالم العربي نمودجا )
صدمات جراح الخيانة
( العالم العربي نمودجا )
في كتابِ الكاملِ في التَّاريخِ لابنِ الأثير:
عندما هاجمَ المغول مدينة “بُخارى” بقيادة “جنكيز خان” عجزوا عن اقتحامها.
فكتبَ “جنكيز خان” لأهل “بُخارى” يقول: ﻣﻦ وقفَ ﻓﻲ صفِّنا ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ!
فانقسمَ أهلُ المدينةِ ﺇﻟﻰ صَفَّينِ ﺍﺛﻨﻴﻦ:
ﺍلصَّفُّ ﺍﻷﻭَّلُ رفضَ، وأصرَّ على القتالِ دفاعاً عن الدِّماء، وذوداً عن الأعراض!
ﺃﻣﺎ ﺍلصَّفُّ ﺍلثَّاني فوافقَ على عرضِ الأمان خوفاً من بطش المغول!
عندها كتبَ “ﺟﻨﻜﻴﺰ ﺧﺎﻥ” إلى الصَّفِّ الثَّاني يقول لهم: إن أنتم ﺃﻋﻨﺘﻤﻮﻧﺎ ﻋﻠﻰ قتالِ ﻣﻦ ﺭﻓﺾ ﻣﻨﻜﻢ، ﻧﻮلِّكم ﺃﻣﺮ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ونُمكِّنكُم من الحكم والسلطان!
فتواجه الفريقان، وجيش المغول على أبوابها، فكانت الغلبة لمن خانَ!
فلما انتصروا فتحوا للمغول الأبواب!
وكان أوَّل ما فعله “جنكيز خان” حين دخل المدينة أن سحبَ منهم السِّلاح، ثمَّ أمرَ جيشه بذبحهم، وقال قولته المشهورة: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ يُؤمنُ ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ ما ﻏﺪﺭﻭﺍ ﺑﺈﺧﻮﺍﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻨﺎ نحنﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ! .
اِن تاريخ العالم العربي ، لا يمكن وصفه بانه المرجع المثالي للانتصارات ، بل اِن صفحاته حُبلى بنمادج للخيانات العظمى التي عرفتها الامة العربية ، بل اِن ثنايا احشاءِه تعج بنمادح كثيرة ممن يسري في عروقهم دم ممزوج بالغدر والخيانة .
ومن بين الانكسارات التي تؤجج جراح الروح نجد : الرفض ، التخلي ، الظلم , الاِهانة ، الخيانة والغدر ، لكن صدمات جراح الغدر وااخيانة يكون تاثيرها شديدا ، بل اعمق من الجرح العادي ، لكونها تسدد سهامها القاتلة الى علاقة منبعثة من اِرتباط وثيق في اِطار علاقة تمت تنميتها عبر مراحل طويلة جدا من الزمن ، بنى من خلالها الفرد صرحا نسج خيوطه من خلال تقة متينة ، الى درجة انه يستبعد عبرها كل الاحتمالات السلبية الممكن ان تصدر من الشخص الاخر ، على اثرها يبدا الانسان في فقد عنصر الثقة في كل من حواليه ، اِذ يوثِر لحظتيد الانعزال عن المحيط ، والشك حتى في نفسه وسلوكياته .
فالخيانة لها وقع قبيح على نفسية الشخص او المجتمع الذي مورست ضده هذه العملية ، وكانما تم الدوس على وردة بواسطة حداء له صفائح حديدية ،فيسحقها سحقا ، وخاصة اذا صدرت من قريب ، او اخ سواء في الدم او الدين او اللغة ، فالجهة مصدر هذا السلوك المشين ربما كانت في عُرف من صدرت ضده مرجعا يقتضى به في الصدق والامانة ، فضلا عن كونها لم تكن قط موضع شُهبة بصورة قطعية كونها ستكون مسؤؤولة عن ذالكم التصرف غير المقبول في جميع الشرايع .
هناك العديد من الامثلة في هذا السياق كالذي خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه، كما وقع مع الخونة في المثال المشار اليه اعلاه .
وتروي صفحات التاريخ على لسان العديد من المؤرخين العرب بان( ابو رغال) يعد من بين الخونة الأولين الذين خانوا القضية العربية حين عمل كدليل لجنود ( ابرهة ) من اجل هدم الكعبة المشرفة.
او مثلا بعد الاسلام وبين مزدوجتين نجد خيانة غير العرب من يهود ( خيبر ، وبني النضير ، وبني قريضة) الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم .
ولم تتوقف بعدها الدسائس والخيانات في عالمنا العربي والإسلامي الى غاية تاريخه ،سواء على مستوى الافراد او على مستوى المجتمعات او على مستوى الدول ، فما سقوط الأندلس مثلا الا عبر خيانات جاهزة اما طمعا في السلطة او المال ، حيت يتناسى الخاين انه بعد ان يستتب الامر للعدو حتى يجهز على الذين ساعدوه في تنفيذ امره .
فحينما تولى الأمير الأموي الحكم بن هشام زمام الحكم في الاندلس ، حتى ثار عليه اقرب الناس اليه ، هما عمّاه ( سليمان ) و (عبد الله ) اللذان رفضا الامر ، خاصة أن أباه هشامًا سبق أن آثره والدهما عبد الرحمن الداخل بتولية الحكم من بعده. فقرر ( سليمان ) الخيانة تحالفا مع ثوار المنطقة الشمالية المعروفة في ولاية الثغر الأعلى ب (سرقسطة) .
في حين يقول بعض المؤرخون بان ( عبد الله ) ابن عبد الرحمن الداخل سافر إلى كل من ( فرنسا) و ( ألمانيا) يؤلّب الاعداء والأنصار لقتال ابن اخيه ( الحكَم ) . لكن النتيجة كانت وبالا عليهما حيث قُتل الأول على أيدي جنود الحكَم الأموي ، وفرَّ الثاني إلى مدينة ( فالينسيا ) طالبا الأمان من ابن أخيه الأمير.
إن التاريخ العربي بما يحمله من تناقضات و وصفقات سياسية مشبوهة مبنية على مقايضة ارض الوطن مقابل البقاء والاستمرارية في السلطة ، وهي وجه من وجوه العديد من الخيانات المتلونة الاشكال والانواع ، وهي في اغلب الحالات تكون شدودا على مبادىء الحَوكمة وعلى الديمقراطية في تدبير الشان العام ، الامر الذي يترتب معه التبعية المطلقة للقوى الاجنبية عل حساب الحس والشعور الوطنيين .
اِن سلطة الاستقواء بالعدو على الشعب ، حايط قصير جدا ،لا ولن يصمد امام رغبة الجماهير الشعبية .
الله غالب
عبدالسلام اضريف
صدمات جراح الخيانة
( العالم العربي نمودجا )
