صلاح الدين وإسترداد بيت المقدس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على إمتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن كيفية إسترداد المسجد الاقصي، حيث يمضي الزمن ويعد الرجال وفي سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للهجرة، وقد أعد القائد العظيم صلاح الدين جيشا لإسترداد بيت المقدس، وتأديب الصليبيين على مبدئهم، وفي وقت الإعداد تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى تعجل له هذا الأمر، وهذه المكرمة، فإذا بالرسالة على لسان المسجد الأقصى ” يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكّس، جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس، كل المساجد طهرت، وأنا على شرفي أنجّس، فإنتخى وصاح وا إسلاماه.
وإمتنع عن الضحك، وسارع في الإعداد، ولم يقارف بعدها ما يوجب الغسل، وعندها علم الصليبيون أن هذا من جنود محمد صلي الله عليه وسلم، فتصالح ملوك النصارى، وجاءوا بحدهم وحديدهم، وكانوا ثلاثة وستين ألفا، فتقدم صلاح الدين إلى طبرية ففتحها بلا إله إلا الله، فصارت البحيرة إلى حوزته، ثم إستدرجهم إلى الموضع الذي يريده هو، ثم لم يصل إلى الكفار بعدها قطرة ماء، إذ صارت البحيرة في حوزته فصاروا في عطش عظيم، وعندها تقابل الجيشان وتواجه الفريقان، وأسفر وجه الإيمان، واغبرّ وجه الظلم والطغيان، ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان عشية يوم الجمعة، وإستمرت إلى السبت، الذي كان عسيرا على أهل الأحد، إذ طلعت عليهم الشمس، وإشتد الحر وقوي العطش، وأضرمت النار من قبل صلاح الدين في الحشيش التي كان تحت سنابك خيل الكفار.
فإجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار، وحر السلاح، وحر رشق النبال، وحر مقابلة أهل الإيمان، وقام الخطباء يستثيرون أهل الإيمان، ثم صاح المسلمون وكبروا تكبيرة إهتز لها السهل والجبل، ثم هجموا كالسيل الدفاع لينهزم الكفار، ويؤسر ملوكهم، ويقتل منهم ثلاثون ألفا، حتى قيل لم يبقي أحد ويؤسر منهم ثلاثون ألفا، حتى قيل لم يقتل أحد، فلم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله إلا في عصر الصحابة، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رئي وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا يربطهم في طنب خيمته، وباع بعضهم أسيرا بنعل يلبسها، وباع بعضهم أسيرا بكلب يحرس له غنمه، ثم أمر السلطان صلاح الدين جيوشه أن تستريح لتتقدم إلى فتح بيت المقدس، ففي هذه الاستراحة كيف كانت النفوس المؤمنة التي لا تيأس؟ الرؤوس لم ترفع من سجودها.
والدموع لم تمسح من خدودها، يوم عادت البيع مساجد، والمكان الذي يقال فيه إن الله ثالث ثلاثة صار يشهد فيه أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم صار نحو بيت المقدس ليفتحه من جهته الشرقية ويخرجهم منه والتقى بالصليبيين في حطين في آخر ربيع الآخر، وكان عدد الصليبيين ستين ألفا ومعهم ملوك أوروبا، وإنتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، وفي السابع والعشرين من رجب سنة خمسمائة وثلاثة وثمانين من الهجرة، حاصرت جيوش صلاح الدين بيت المقدس من كل الجوانب، وإستعد المجاهدون والمتطوعة برميها بالنفاطات وبالمجانيق، وعند ذلك عرض بليان بن نيزران والي القدس من قبل الصليبيين على صلاح الدين الأيوبي أن يتنازل له بالقدس صلحا، فقال له صلاح الدين والله لا آخذها إلا عنوة كما أخذتموها من المسلمين عنوة، وأقتل رجالكم وأسبي نساءكم.
فقال له بليان بن برزان إذن والله نقتل كل من معنا من أسرى المسلمين، وكانوا خمسة آلاف أسير ونقتل نساءنا وأطفالنا، ونهدم المصانع أي يعني البيوت، ونغور نبع بيسان، ثم نخرج إليكم نقاتلكم في الصحراء، لا يقتل منا قتيل إلا قتل منكم عشرة ودون قيامة تقوم القيامة، وهنا إستشار صلاح الدين رجال مشورته ورق لأسرى المسلمين، ورضي أن يخرجوا من بيت المقدس، فكان له ذلك على أن يبذل كل رجل منهم ويخرج ذليلا، يبذل عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة، وعن الطفل دينارين، ومن عجز كان أسيرا للمؤمنين، فعجز منهم ستة عشر ألفا كانوا أسرى للمسلمين.


