الدكرورى يكتب عن عثمان يستخلف عبد الرحمن
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 1 فبراير 2024
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن الصحابي الجليل الغني الشاكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لأزواجه “إن الذي يحنو عليكم بعدي هو الصادق البار، اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ” وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم “لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحُد ذهبا، ما أدرك مُد أحدهم ولا نصيفه”
وعن السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة” وعن عبد الرحمن بن عوف قال ” قطع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرضا بالشام يقال لها السّليل فتوفّي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتب لي بها كتابا وإنما قال صلى الله عليه وسلم لي “إذا فتح الله علينا الشام فهي لك” وحكى عنه بعض جلساؤه فقال كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس وأنه انقلب بنا يوما حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتينا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف، فقلنا له يا أبا محمد ما يبكيك فقال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا أرانا أخرنا لها لما هو خير لنا.
وقيل أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رفض الخلافة مرتين في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، حيث كان عبد الرحمن بن عوف يحظى بمنزلة مشابهة لمنزلته في عهد عمر، ففي عام أربعة وعشرون للهجرة، استخلفه عثمان بن عفان على الحج في تلك السنة، فحج عبد الرحمن بالناس، وكان عبد الرحمن زاهدا في الإمارة، فقد أرسل سعد بن أبي وقاص إلى عبد الرحمن رجلا وهو قائم يخطب أن ارفع رأسك إلى أمر الناس، أي ادعو إلى نفسك” فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك، إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر بن الخطاب إلا لامه الناس، وكان عثمان يريد أن يوصي له بالخلافة من بعده، فلما اشتكى عثمان رعافا، دعا كاتبه حمران فقال اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي، فكتب له، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن فقال البشرى، قال وما ذاك؟
قال إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده، فقام عبد الرحمن يدعو بين القبر والمنبر فقال اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر، فأمتني قبله، فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى مات، ورغم أن قيادة الأمة الإسلامية مهمة جليلة خاصة أن من تولاها في صدر الإسلام كانوا أكابر الصحابة، الذين سطروا أروع سطور التاريخ الإسلامي وكتبوا أنصع صفحاته، لكن ابن عوف آثر أن يكون ضمن المعاونين للخلفاء وليس هو واحدا منهم، رغم الفرصة التي أتته سانحة حينما اختاره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليكون واحدا ضمن المرشحين الستة لتولي أمر الخلافة من بعده، لكنه بادر في خلع نفسه من الترشح، واختار أن يسهم في الإختيار دون أن يكون هو مرشحا، وبذل عبد الرحمن بن عوف جهدا في استطلاع رغبة المرشحين الآخرين وأهل المدينة بعدهم.
فوجد كفة عثمان بن عفان رضي الله عنه رجحت، فبايعه على الخلافة، وكان سندا له، وفي آخر خلافته وجد عثمان نفسه متعبا فأرسل إلى ابن عوف ليعرض عليه أمر الخلافة من بعده، وذهب بالفعل له ليبشره بالأمر، لكن من ترك طلب الخلافة مرة لم يكن ليطلبها مرة أخرى، فوقف عبدالرحمن بن عوف في روضة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعا ألا مرة أخري.