الرئيسيةمقالاتعلاقة ممتدة حتى الخلود
مقالات

علاقة ممتدة حتى الخلود

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه، أما بعد ما أجمل أن نقلب صورا أشرقت بالحب والوئام وإتسمت بالصفاء والنقاء فهي صفحات بيضاء حملها التاريخ إلينا ليعلن للجميع أن الأخوة والمحبة إنبثقت من قلوب مخلصة حققت أسمى معاني الأخوة الصادقة، نعم، فإنهم رعيلنا الأول وسلفنا الصالح فإنهم قدوتنا بعد النبي الكريم المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم، فقول أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم عرف قيمة الأخوة في الله فقال “إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها ”

 

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا خرج إلى أصحابه قال ” أنتم جلاء حزني ” ولما أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام إستقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وفاض إليه ألما، فالتزمه عمر رضي الله عنه، وقبل يده وجعلا يبكيان ” ولقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بعد قتل الزبير رضي الله عنه فقال كم ترك أخي من الدّين؟ قال ألفي ألف، قال عليّ منها ألف ألف ” رواه البخاري، ورئي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثوب كأنه يكثر لبسه، فقيل له فيه فقال ” هذا كسانيه خليلي وصفيي ” وكان بلال بن سعد الأشعري يقول ” أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا ” وهذا خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

يذكر الرجل من إخوانه في بعض الليل فيقول ياطولها من ليلة، فإذا صلى المكتوبة غدا إليه، فإذا التقيا عانقه ” رواه أحمد، وكان يقبّل رأس أبي بكر رضي الله عنهما، وكان المحدث القارئ طلحة بن مصرف إذا لقي مالك ابن مغول يقول له ” للقياك أحب إلي من العسل ” وقال أبو خلدة دخلنا على ابن سيرين أنا وعبد الله ابن عون فرحبّ بنا وقال ما أدري كيف أتحفكم ؟ كل رجل منكم في بيته خبز ولحم، ولكن سأطعمكم شيئا لا أراه في بيوتكم، فجاء بشهدة وكان يقطع بالسكين ويطعمنا” والشهدة جمع شهد والشهد هو العسل لم يعصر من شمعه ” فأين واقعنا الذي لا يخلو من المشاحنات والخلافات والبحث عن الزلات من واقع سلفنا الصالح رضي الله عنهم ” هيا بنا نؤمن ساعة ” وهيا بنا نبكي من خشية الله، فإن لم نجد بكاء تباكينا علّ الله أن يرحمنا ” ولذلك تجد أن هذه الأخوة.

 

مشاعر موحدة وعلاقة ممتدة، ولو تأملت حق التأمل في معنى الأخوة والمحبة في الله يجد أنها علاقة ممتدة حتى الخلود، وقد تقول كيف؟ فأقول لك من المعلوم أن المسلم تمتد علاقته بإخوانه عند الموت، فهو يودع الدنيا بإعلان التوحيد كما دخلها ” لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ” رواه مسلم، وتمتد علاقته بإخوانه أيضا بعد الموت، فيصلي المسلم على أخيه المسلم صلاة الجنازة، ولو كان بعيدا غائبا ولو لم يره في حياته، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى على النجاشي قال ” إن أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه ” رواه مسلم، ورغم أن دفن الميت يكفي في القيام به نفر قليل، إلا أن إخوانه المسلمين لا يتركونه بعد موته يذهب وحيدا إلى أول منازل الآخرة بل يشيعونه إلى قبره كما يشيع الضيف العزيز الراحل، ولا تقف العلاقة إلى هذا الحد، بل تمتد حتى لما بعد البعث.

 

وهناك في يوم القيامة تبرز المشاعر والعلاقات بين الناس فيقول تعالي ” الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلى المتقين ” والمرء مع من أحب، وتستمر مشاعر الأخوة وعلاقتها حتى بعد المستقر في الجنة حيث يقول تعالي ” ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ” فما أجل هذه الأخوة وما أعظمها، فحقا إنها مشاعر موحدة وعلاقة ممتدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *