عن الحسد اتحدث
عن الحسد اتحدث
المشاعر القلبية لا يستطيع الإنسان أن يتحكم بها، أي أن يمنع ظهورها أو يأمر نفسه بظهورها، هي وليدة اللحظة وصاحبة سطوة على القلب، كالغضب والحب والكره والغيرة والإعجاب والحزن والألم والقهر والخوف، لذا ليس من السليم تَخْطيء الذاتِ والشعورُ بالحرج منها لمجرد الشعور ما دامت لم تُتَرجم إلى فعل خاطئ يؤذي فيه الإنسان نفسه أو من حوله كأن يمنع نفسه أو الآخرين من كسب منفعة أو أن يقوم بكسر قيمةٍ أو مبدئٍ مخالفا الصحيح مرتكبا لما هو خاطئ.من هذه المشاعر والتي هي متكررة كثيرا بين الناس مشاعر الغيرة والحسد، وهذان الشعوران متقاربان في إشعال نار القلب وبينهما اختلاف في التفكير، الشاعر بالغيرة يتمنى ما أعجبه في الآخر أن يكون له مثله دون التركيز كليا على الآخر والتركيز جزئيا على الذات، أما الحاسد فإنه يتمنى زوال ما أعجبه من نعمة عند الآخر، فهو تركيز كلي على الآخر مع إهمال للذات لكنه لا يخلو من أن تصاحبه مشاعر غيرةفغالبا ما يحمل الحاسد مشاعر غيرة أيضا أي أنه يرغب في الانتفاع الذاتي، إلا أن خطورة الاستجابة للشعور بالغيرة تكمن في أنها تفتح بابا كبيرا للاستجابة للشعور بالحسد (فتاة تغار من أخرى لجمالها وإعجاب الآخرين بها، تلجأ لشتى الوسائل لرفع جمالها لكنها لا تحصل على ما تمنته، فتتصرف مركزة على إيذاء الأخرى، تحول شعور الغيرة إلى حسد) من الممكن القول أن كل حاسد غيور بينما ليس كل غيور بحاسد.لماذا أقول “الاستجابة للشعور”؟ لأنني كما ذكرت ليس الخطأ لمجرد شعور الإنسان، وإنما للاستجابة له والقيام بترجمته إلى أفعال ظاهرة تؤذي النفس والآخرين. كثرة شعور إنسان ما بالحسد تجاه الآخرين عيب ناتج عن سوء وجمود في التفكير، وأركز على كثرة لأنها دليل على استجابة الفرد لهذا الشعور مرات كثيرة والقيام بأفعال جعلت من هذا الشعور ضيف يكرر القدوم، الحاسد يعتقد بأن الآخرين مجرد كائنات بلا معنى وجودهم عبء على الكرة الأرضية، يراهم ممتلئين بالغباء والعلل، لا يقدمون ولن يقدموا شيئا ذا معنى، فهو يحوي الانتقاص من ذوات الآخرين والاستخفاف بهم وعدم احترامهم، وجود نعمة لديهم تثير الإعجاب عند الحاسد يُضعف ويُشكّك بقوة هذه الاعتقادات لديه مما يجعله يشعر بالتهديد فيلجأ للتعبير عن هذا الشعور بأفعال تزيل النعم عنهم.والحاسد بحسده يسيء الأدب مع الله، إذ ليس لديه إدراك ما هي أعماله على الأرض وما هي أعمال الله، أعني من أوجد الأذكياء بهذا الذكاء؟ من خلق الجميلين والجميلات؟ من كتب الأرزاق وقَسّمَها؟ وأعطى كل إنسان ما أعطاه من نعم؟ وقدّر لكل إنسان ما سيأخذه أو يُحرَمُ منه؟ أليس الله عز وجل؟كما قال الله عز وجل فى كتابة العزيز بًسِمً آلَلَهّ آلَرحًمًنِ آلَرحًيَمً (قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).صّدٍقُ آلَلَهّ آلَعٌظُيَمً “سورة آل عمران،إذا واجهت حاسدا يحسدك لا تتهمه بالحسد، لكن واجه ما يفعله أو يقوله إظهارا لحسده بحزم، أظهر قلة احترام لتصرفاته السيئة كأن تحرجه، إنه لن ينتبه إلى أنه ينتقص من الآخرين إلا إذا شرب من نفس الكأس وأدرك أنه عليه أن يَحترم كي يُحترم، وذكره جيدا بأعماله على الأرض وعدم التحدث عن ضرورة إعادة توزيع للنعم والأرزاق بين العباد فهي من أعمال الخالق! وإن استطعت اركض بسرعة، اركض بعيدا ولا تقترب، أما إن واجهت غيورا فإنه يفيد التطلف معه (على قدر طاقتك) وأن تشير إلى أن تقسيم الأرزاق بيد الله.
عن الحسد اتحدث