أخبار ومقالات دينية

عن الوزن بميزان العدل

جريدة موطني

الدكروري يكتب عن الوزن بميزان العدل
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رفع منزلة أهل العلم والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيدا، فهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يركب راحلته ومعه ابن عباس رضي الله عنهما، فيوصيه صلى الله عليه وسلم بوصية حضرته في الحال، فيخرجها في حلة من البيان تأسر الألباب، ويضعها في طبق من الفصاحة يكاد يذهب ضوؤه بالأبصار، فيقول صلى الله عليه وسلم ” يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا ان يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا” فهل رأيت أخي المسلم في كلام البشر كهذا الكلام؟ من حسن فواصل وعذوبة لفظ، وقوة معان، وأسر خطاب فقوله صلى الله عليه وسلم ” احفظ الله يحفظك” من الجمل المحفورة في ذاكرة البيان، والتي يسجد لها العقل السويّ في محراب الفصاحة، فإنها جمعت الوصايا في وصية، واختصرت العظات في عظة، فلو كان غيره صلى الله عليه وسلم المتحدث لقال احفظ الله بأداء أوامره يحفظك بنعمه، واحفظ الله بترك نواهيه يحفظك من عقابه.

واحفظ الله في شبابك يحفظك في هرمك، إلى آخر تلك المقابلات، وإلى قائمة طويلة من المقدمات والنتائج والبدايات والخواتم، ولكنه قال صلى الله عليه وسلم “احفظ الله يحفظك” فلا أبدع ولا أروع ولا أوجز ولا أعجز من هذا الكلام الباهي الزاهي، ثم اقرأ الحديث جملة جملة، وقف إن كنت ذا ذائقة للبيان وذا دربة على سحر الخطاب، وخذ أي حديث من أحاديثه صلى الله عليه وسلم العطرة الزكية، هل ترى فيها عوجا من الركاكة، أو أمتا من التكلف؟ بل رقة في فخامة، وسهولاة في إشراق، وأصالة في عمق، فسبحان من أجرى الحديث على لسانه سلسا متدفقا أخاذا، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد، فإننا إذا قمنا بإعمال العقل نجد أن في الصلوات الخمس تضحية بكل ما يشغلنا عن الصلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذلك.

وفي الصيام تضحية بمتعة الطعام والشراب والشهوة، وفي الزكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النفس، وفي الحج تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمل مشاق السفر، وبالإنفاق لأداء المناسك، لذلك فنحن مدعوون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ألا فليضح كل منكم بما في استطاعته، وبما يقدر عيله ويملكه، من ماله أو وقته أو علمه أو صحته أو غير ذلك وليحتسب عند الله تضحيته، ليعتق الله بها رقبته من النار يوم نلقى الله العزيز الغفار، ولقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يزن كل أمر بميزان العدل.

ومجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس تدارس وتشاور، لا مجلس إضعاف من سلوك الآخرين، وتضخيمٍ لعظمة أحدهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس في مكان معين أي في مكان ثابت، إنما يجلس في المكان الذي ينتهي به وسط الناس وذلك حتى لا تكون هناك لأي إنسان مكانة في مقعد أو مجلس، يوزع عنايته بكل مَن يحضر مجلسه حتى لا يظن أحد أنه أفضل من الآخر عنده.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار