قراءة في كتاب :
(( فنون السرد والتعبير في كتابات جاسم محمد صالح ))
ساهرة رشيد /العراق
ضمن سلسلة الدراسات النقدية والاكاديمية في منجز رائد أدب الطفولة العربية الدكتور جاسم محمد صالح صدر الكتاب الخامس والثلاثون في سلسلة الدراسات الجامعية في العالم كتاب : (( فنون السرد والتعبير في كتابات جاسم محمد صالح )) من تاليف الدكتورة : فتيحة مركوزة – جامعة وهران / الجزائر , وتقديم الدكتورة : هدى محمود العبيدي (دكتوراه مسرح – بغداد )
قالت د.العبيدي في مقدمتها
الأديب جاسم محمد صالح ومركزيّة النّصّ , ومن خلال قراءاتها المعمقة في الكتاب توصلت الى أن : (( الأديب الكاتب جاسم محمد صالح دائما في كتاباته الى مناطق اشتغال التفعيل العقلي والرؤوي للطفل ، وما يميز هذا الكتاب انه تعرض لمنطقة خطيرة اذا ما سوغت في منطقة الطفل، الا ان الكاتب تناولها بطريقة مغايرة في رواق أدب الطفل , حيث ان الأسطورة لم تُكتب للأطفال ولمستوى فكرهم ووعيهم , ويعدّ هذا النوع من الكتابات منطقة ملتهبة ليس بمقدور أيّ كاتب الخوض فيها ، لكننا نجد ان الكاتب حينما خاض ضمار هذا المجال ( الأسطورة ) وكيفية اشتغاله عليها في عالم وعي الطفل ولم يقف عند طرحها كقصة او حادثة عابرة بل انه عمل على ترسيخها في ذاكرة الطفل بوصفها أحّد أوجه الموروث الشعبي)) .
ولقد تمكنت د.العبيدي من قراءة الأفكار الخفيفة والمعاني الشفافة في نصوصه فتيقنت ان كتابته : (( مُعَدَّة لكي تُمَثَّل إنطلاقا من إيمان الكاتب بضرورة خلق بناء مسرحي جديد للطفل ، فلم يتوقف عند وضع نصوصه الأدبية للقراءة فقط , فهو مؤمن بانّ مسرح الطفل هو أحّد أهم الوسائل التي تعتمدها التربية في تطوير ذات وقدرات الطفل ومدركاته العقلية والحسية والتي لا يحقّقها أيُّ فنّ آخر، فالفائدة الذهنية والتنموية للمدركات العقلية من خلال فرض الصور والتصوّر والتذكّر تؤدي الى نجاح واضح اذا ما وُظّفت ضمن توجيهات المربّي عبر تفعيل الخيال والتخيّل لديه حسب النّص المطروح سيما وأنّ الاساطير التي تناولها الكاتب في نصوصه وتوظيف الشخصيات البطلة والخارقة والتي ما ان وظّفها ضمن الفعل الدرامي تدفع به الى تقمّص تلك الشخصيات التي تحمل الفضيلة والخير, لذا فإننا نلاحظ ان الصراع في روايات الكاتب تتحوّل من الصراع الذي تقوم عليه الإسطورة بين البطل والقدر إلى صراع بين الخير والشرّ وإنتصار الخير في آخر النّص او المسرحية بتحقيق ترسيخ القيم الأصيلة للخير عند الطفل وابتعاده عن الشر)).
وحين أرادت د.هدى ان تُعطي للكتاب قيمة من خلال تميّزالمؤلفة الدكتورة الجزائرية (فتيحة مركوزة) قالت مقتنعة :(( لقد تميز الكاتب جاسم محمد صالح بمثاقفته للنصوص المتنوعة بشكل جديد ومغاير لما يتناوله الكُتّاب في تناول الموروث من حيث إهتمامه بالزمان والمكان وتزاوج البيئة عبر خلق عالم يتلاءم مع عالم الطفل بروح تفيض بالقيم التربوية والقيم العلمية والقيم الجمالية )).
اما متن الكتاب فقد إحتوى على مجموعة قيّمة ونفيسة من الدراسات التي تناولت إبداع هذا المؤلف الكبير ومن أهمها :
1- الصورة التخيّلية والبناء الأسطوري في رواية ملكة الشمس .
2- رؤية نقدية في مسرحيّة التّاج الّذي يبحث عن ملك .
3- البناء اللّغوي وتحلّيل الخطاب السّردي في رواية السيف .
4- استلهام القيّم الوطنيّة وتأكيد مفاهيم الانتماء للوطن والمواطنة .
5- مفهوم الانتماء الوطني والمواطنة .
6- المفاهيم التربوية والانسانية في قصص جاسم محمد صالح .
7- سحر العناوين في قصص جاسم محمد صالح .
8- القصة الموجهة للأطفال وآفاق البناء التربوي .
9- السّرد واللّغة في مسرحيّة التّاج الّذي يبحث عن ملك .
10- قصص الخرافة وأثرها على مخيّلة الطفل .
11- الكتابة للاطفال في ظلّ تحديات العولمة .
12- سمات الشخصية في قصص جاسم محمد صالح .
13- قصة الفكرة في مجموعة البطة البيضاء.
14- البناء الدرامي في رواية السيف .
15- الحسّ القومي في رواية منقذ اليعربي .
ولقد توصلت المؤلفة الى جملة حقائق فنية وابداعية وتربوية من خلال الدراسة المعمقة لنصوصه القصصية والروائية والمسرحية ومن أهمها :
1. إنّ أهمّ ما يميز قصص لا أقول الأديب بل رائد أدب الطفل في العالم العربي جاسم محمد صالح هو السلاسة وعنصرا الترغيب والتّشويق في كلّ أعماله , خاصة في طريقة إنتقائه لعناوين قصصه الّتي تشوّق الطفل لمعرفة مضمونها ، حيث يقرأها أيُّ إنسان طفلا كان أو كبيرا بشغف ومحبة وباستمرارية حتّى النّهاية وقد نستخلص منها عدّة دروس وعبر، فقصصه غير مملّة ومتعبة ، فالطفل الصغير بإمكانه إستيعاب كلّ فقرة وهضم كلّ معنى وكلّ غاية وأخذها كدرس وكنموذج يقتدي به في حياته وسلوكه اليومي ، فقصصه إذن تعليمية ، تثقيفية ، تهذيبية للسلوك والتّصرفات .
2. لقد سعى الكاتب في قصصه إلى صقل مواهب الأطفال ، فالطفل حين يقرأ قصصه لا يفهم المغزى لأول وهلة ، بل لابدّ من التّفكير للتوصل إلى الهدف، ففي قصة البطة البيضاء مثلا يحثّ من خلالها الطفل إلى تجنّب الحيلة والكذب الّذي يُوقع صاحبه في المشاكل ، وتجنّب الغرور والتّكبر لأنّه لا يثمر بشيء.
3. يتمتّع الأديب جاسم محمد صالح بموهبة فكرية فذّة جعلته يقدّم لقصة الطفل خاصة الّذي يجري على ألسنة الحيوان ، فكرا فنّيا ناجحا لأنّه إعتمد على الخصائص النّفسيّة لدى الأطفال مراعيا نسبة فوارق الذكاء وقدرات الـتّحصيل بينهم ، فعالم الأطفال هو عالم في طور البناء والتّراكيب النّفسية والشخصية والجهل بخصوصيات هذا العالم حتما سيؤدي إلى بناء وتراكيب عشوائية قد تنهار في أيّة لحظة .
4. لقد إستطاع الأديب جاسم محمد صالح أن يجعل من رواياته قيمة بوصفها عنصرا تربويا فعالا أحسن صنعها وتوظيفها ، حيث تمكن من إثارة إهتمام الطفل المتلقّي بما لا يتعارض مع مهمّة الأدب في تجسيد الحقيقة الحياتية الواقعية بكل أبعادها المتمثلة في الظواهر الطبيعية ، فالكلمة المكتوبة أو المنطوقة تُسعد الأطفال وتسلّيهم لروح المرح وتُعطيهم فرص التعرّف على أنفسهم بأنفسهم وتمكنهم من التّصدّي للمخاوف وتطلق العنان لأخلاقهم وطاقاتهم الابداعية.
5. لقد إستطاع الأديب جاسم محمد صالح أن يراعي لغة الطفل وقاموسه ، حسب مراحل العمر والنمو مع محاولة الإرتقاء التدريجي بهذه اللغة ، فلم يكن الأديب جاسم محمد صالح يسلك طريقه دون هدف ولم يترك قلمه يسير على غير هدى ، بل كان ومنذ أن قرر خوض غمار الكتابة للطفل يسعى لاكتناه الطفولة وسبر خباياها، والتعاطى معها ليس على أساس أنّ الطفل مجرّد وعاء نُلقي فيه ما نشاء ، بل من خلال إدراك واع للطفولة وخصائصها واحتياجاتها.
6. وعليه فقد حرص الاديب جاسم محمد صالح على إحترام الشروط الفنيّة والموضوعيّة والاجتماعيّة في كتابته للطفل في مختلف الأجناس الأدبيّة سواء أكانت نصوصا قصصيّة أم مسرحيّة مع مراعاة الجوانب النفسية للطفل في تفاعلها مع ما يتلقاه من موضوعات تلك الأجناس الأدبيّة.
7. أنّ الأديب (جاسم محمد صالح) قد إستطاع أن يحدّد لنفسه عالما شديد الخصوصية ويتعمّق فيه بامتياز، فالكتابة للطفل ليست بالسهولة التى يتوهمها البعض ممن يخوضون تجربة الكتابة الأولى للأطفال وإنما تحتاج الى مجموعة من المكوّنات الاساسية التى تشكل ملامح الكاتب وتمنحه القدرة على التوغّل فى هذا العالم المدهش وأهمّها بالطبع الموهبة الالهية التى يمنحها الله تعالى لمن يشاء من عباده , فضلا عن قراءاته العميقة والمتعمقة في الواقع والمجتمع بجانب كلّ ما يخصّ أدب وثقافة الطفل فهو يعتبر: (رائد أدب الأطفال العرب) وبدون منازع.
8. لقد وظّف الأديب العربي العالمي الدكتور جاسم محمد صالح القصة كوسيلة تعليميّة تربويّة من أجل تنشئة الأطفال هدفها غرس القيّم الحميدة والنبيلة في نفوسهم وفهم حالاتهم النّفسيّة وكشف ميولاتهم في حبّ الاستكشاف كما أنّها تقدّم بطريقة سهلة وترفيهيّة تجنّب الطفل فيها، بحيث تستمد لغتها البسيطة من معجم الأطفال حسب أعمارهم،أي أنّها تمكّن في كيفيّة تقديم الجواب للأطفال بلغة مشوّقة وبأسلوب سهل وبطريقة مقبولة ومقنعة عن الأسرار والحقائق والمفاهيم والقضايا الاجتماعيّة والأخلاقيّة وغيرها بحيث يستطيعون من خلالها إستجلاء الكثير ممّا يدور في آذانهم , وكان في نهاية كل قصّة يستمدّ الطفل حكمة أو مغزى يساعده في تكوين قاعدته التّربويّة ويستطيع من خلالها أن يميّز بين الخير والشرّ وأنّ أغلب قصصه تُروى على لسان الحيوانات من أجل ترفيه الطفل ولكي لا يمّل ولا يكلّ عند قراءتها.
9. يتأثر الأديب جاسم محمد صالح في أعماله القصصية بجملة من القيم التربوية والاجتماعية التي تُعطي للعمل نظرة خاصة على غرار باقي أعمال ألأخرين من الكتاب والقاصّين ومن القيّم الّتي إستند اليها في إنجاز قصصه