الرئيسيةمقالاتقراءة نقدية فى الشخصية النرجسية
مقالات

قراءة نقدية فى الشخصية النرجسية

 

بقلم الأديب المصرى

د. طارق رضوان جمعة 

 

أرى شخصا في المِرآة يُحبني فما أحلاهُ حُبّ الذّات للذاتِ” وفي سماءٍ مليئة بالنجُوم ستراني ساطعًا لا بريق يضاهي بريقي..أنٌ لحُسنيَ أن يُصاغ بأسطرٍ أنا الفصاحة و اللغات جميعُها…

فَلَا الهَوامِشُ تَلِيقُ بِى، وَلَا أَنْصَافُ الأَشْيَاءِ تَعنِينى

أنا لست مثلهم ، أنا مثل لهم

فأنا دائمًا أستحق أشياء جميلة تشبهني وتشبه عيناي وقلبي.

تُرى هل خُلق الجمال ليُختصر في عيناي؟! أم عيناي خُلقت لتقنعني أن لا جمال بعدها.

بكل نرجسية اقول حاشا لِحُسني أن يُصاغَ” . وَهَلْ تَظُنّينَ أنّ البُعْدَ يَقْتُلُنِي؟

وأنّ القَلْبَ لاَ يَقْواكِ مُنْفَرِدًا؟

أنا التّلاشِي والّلا شيْءَ فَانْتَبِهِ … أنا الوُجُودُ وكُلُّ النَاسِ لا أحَد.

الزوج النرجسي هو الرجل الشهم، الجدع، الهادئ، المحترم أمام الناس وفقط، فكلامه موزون وضحكته حاضرة وذوقه عالي، ملاك حين تسمعه ، يحسد الناس زوجته عليه من شدة إعجابهم به.

لكن داخل المنزل تجد شخصًا أخر . فكلامه ثقيل، ونبرته جارحة، وسكوته أقسى من أي إهانة. جراح بلا مشرط. يعرف كيف يجرح دون أن يرفع صوته، ويكسر دون أن يستخدم يده ، فالصمت والتجاهل والبرود أدوات عقابه لمن تسكن معه ، وكأنها ليست موجودة أصلًا.

ابتسامته كرم للغريبات. وشهامته جائزة لأى غريب طالما أنها ليست زوجته، تلك التى يحاسبها على النفس، ويستنزف طاقتها، ويعيش على تعبها، ومن غير شكر، ولا تقدير، ولا كلمة حلوة تزيل الهم وتكشف الغم.

فنان هو فى أن يُشعر زوجته

دائمًا بأنها مُقصّرة، مهما اجتهدت. بارع فى نزع ثقتها بنفسها، يشككها في نفسها، في عقلها، في إحساسها، في قيمتها، فتبدأ تسأل نفسها:

“أنا وحشة ليه؟ هو أنا السبب؟ يمكن أنا اللي مكبرة الموضوع؟”

النرجسي لا يعرف كيف يحب ، ولا كيف يحتوى، فهو دائمًا يشتهى التملك. يحب السيطرة. لذلك يغير من الزوجة المثقفة القوية. فهو يستمد قوته من ضعفها. فمرضها منتهى العافية له.

حياته لابد أن تكون جولات يفوز فيها. وكلما رأى من الزوجة صبرًا أدرك أنه منتصر على تلك الضعيفة الهزيلة التى لا حيلة لها، فهو لا يعترف بقانون العشرة والمودة والتراحم الزوجى.

الأخطر من ذلك كله أنه ذكى ، يعلم كيف يحول الأمور لصالحه، فتصبح الزوجة هى المخطئة رغم أنها صاحبة حق. مُتقن هو لدور الضحية. بارع فى قلب الصورة لدرجة تجعل الزوجة نفسها تدافع عنه وتبرر له، وهو مرتاح الضمير.

منتهى اللذة يجدها فى كسر الزوجة ببطء. فما الداعي للسرعة فى استنفاذ طاقة الفريسة؟! وهكذا موقف يلى موقف وحوار يقابله صمت حتى تصل الزوجة لمرحلة أنها لا تعرف من هى ولا ما قيمتها. ليس كل رجل تراه وتعجب به يستحق بالفعل هذا الإعجاب. وليست كل سيدة صامتة هى زوجة سعيدة وراضية…

كثير من الزوجات صامتات لأنهن مكسورات الخاطر وليس لأنها مقتنعة.

الزوج الذى يؤلمك في الخفاء، ويلمّع نفسه أمام الناس… ليس زوج، بل هو استنزاف متنكر في صورة رجل … مصاص دماء.

يوهمك إنك مخطىة فى كل ما تفهمى … كل شىء غلط لدرجة إنك تفقدى ثقتك بنفسك مع الوقت. صمته العقابى يهدف لانهيار شريكة الحياة حتى تقدم تنازلات.

استفزازه دائم فهو لا يمل، لكنه مبدع فى هذا الاستفزاز الغير ملموس وغير المباشر، كونى على يقين انه لن يترككك حتى تصلى لذروة غضبك وحينها يصرخ هو أمام الناس ليبين لهم كم هو مظلوم وضحية فى حياته مع هذه الزوجة التى لا تطاق. كم أنت صبور ايها النرجسى!

وهو كّيس فطن يتخذ أساليب الدفاع المسبق، فيتودد لمن لهم اليد العليا فى عائلة الزوجة وأصحاب الرأى والقرار فيكسبهم فى صفه حتى إذا ما أشتكت الزوجة لهم لا يسمعون لها فهى فى صورة المجنونة أو الظالمة. بالتالى هو ناجح فى فرض سياسة العزلة والوحدة عليها. كثير الفكاهة بين الجميع فكيف يصدقون الزوجة حين تدعى أنه قاسى أو عنيف أو كئيب؟! بل العكس سيصدقون بإنك عاجزة عن فهمه والتعامل معه فالعيب فيكِ أنتِ.

فاجر فى خصامه كأنه لا يعرفك أو تمتين له بصلة، فتجد منه غاية الجحود والغدر واللا مبالاة.

حتى عند محاولة الزوجة أن تشتكى، يمكنه دون أى ضمير تشويه سمعة زوجته وقلب الموقف لصالحه. ذكى هو لدرجة أنه ماكر ليخدع حتى أعتى الأطباء النفسيين بأنه يحتمل زوجة عصبية بينما هو حملُ وديع.

سنده وداعمه رجال دين وشيوخ كرام، لكنهم لا يتبنوا سوى الدفاع عن حقوق الرجل، فيظل يعظ الزوجة ويحدثها عن فضل الزوج وحقوقه… وبهذا كل الجهات المعنية تشهد بأن لديكِ رحل يشبه الملاك فى بيتك وأنتِ عزيزتى الزوجة جانية مذنبة.

حتى لا نظلم النرجسى ستجده حين يسعى للصلح مع زوجته يختار أمتع الأساليب التى تشتت فكرها فلا يمكنك حينها أن تدركِ أهو من أهل الجنة أم من أهل النار والعياذ بالله. المهم أن الزوجة تشك فى نفسها وعقلها وجميع جوارحها.

كلمة آسف لا تعرف لفمه سبيلًا. فأنسى مجرد التفكير بها، بل بالعكس هيقنعك أنك لازم تعتذرى له على ما أصابه من أضرار فادحة. ضرورى يكسب الجولة ويجعلك تشعرى بالذنب المميت. لكن هو دائمًا يسعى لجعلك فى حالة تعلق مرضى به، مع الحفاظ على أنك لا تبحثى عن سبيل لفك هذا التعلق المرضى والتمسك به. وحتى الإنفاق …. لماذا ينفق عليكِ فأنت مجرد زوجته لا أكثر.

خلاصة القول فإن هذا المحتوى للتوعية النفسية، وليس تشخيصًا أو اتهامًا لشخص بعينه. الزوجة الوحيدة المناسبة للشخص النرجسى هى الزوجة الاعتمادية. حينها ستكون

زيجة ناجحه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *