الرئيسيةمقالاتقناع الوداعة
مقالات

قناع الوداعة

قناع الوداعة

بقلم ناصر بن محمد الحارثي 

كاتب من سلطنة عُمان- مسقط

في دهاليز المجتمع، يختبئ قومٌ يتوشّحون بوجهٍ مصطنع من الوداعة والكياسة، فيما تخفي قلوبهم سمًّا ناقعًا وأحقادًا دفينة. إنهم سادة التملّق والمحاباة، يتسلقون على أكتاف الآخرين، ويتغذّون على النفاق والنميمة، ولا يتورعون عن تشويه السمعة وتخريب المسيرة إن كان في ذلك ما يقرّبهم إلى مآربهم الدنيئة.

يعكفون على المظاهر كمن يتعبّد لصنمٍ أجوف؛ يرتدون أفخر الثياب، ويقتنون أبهى الممتلكات، حتى وإن أثقلتهم الديون وأرهقتهم الحاجة. فالمهم عندهم أن يظهروا أغنياء، أن يلمعوا أمام الناس بمكانةٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ موهومة، ظانّين أن الزينة الخارجية تعوّض خواء الداخل وانعدام الفضيلة.

وحين يشرق نجمُ مجتهدٍ بنجاحٍ أو منصبٍ رفيع، يتلظّى صدورهم بنيران الحسد. لا يباركون، ولا يحاولون التعلم أو الاقتداء، بل يحيكون المكائد لعرقلة خطاه، ويجتهدون في طمس إنجازاته. نظراتهم تكشف ما تخفيه صدورهم، وتصرفاتهم تنضح بما يضمرون.

بارعون في التمثيل، يجيدون لغة الجسد كما يجيدون زخرفة الكلام، يسكبون العسل في الأفواه ليخفوا طعم المرارة في قلوبهم. يتصيّدون الضعف ليستغلّوه، ويهرولون نحو أصحاب النفوذ والسلطة، يبيعون ضمائرهم رخيصة في سبيل مكاسب تافهة. بعضهم يصير أداةً حقيرةً بيد مسؤولٍ لا يرى فيهم إلا عيونًا تراقب وآذانًا تتجسّس.

هؤلاء داءٌ سرطاني يتسلّل إلى جسد المجتمع، ينخر في عظام المخلصين ويعكّر صفو بيئة العمل. ودواؤهم لا يكون إلا بالوعي والحذر: أن نميّز بين الودّ الصادق والابتسامة المزيّفة، وألّا نضع أسرارنا بين أيديهم، وأن نتحصّن بالقيم والأخلاق والمبادئ. فهذه ذخيرة المجتهدين، وهي السلاح الذي يفضح النفاق مهما تأنّق وتستّر.

إنهم في الحقيقة أسرى مرضٍ قديمٍ اسمه الحسد؛ مرضٌ يعمي البصيرة، ويجعل صاحبه يظنّ أنه الأحق بكل شيء. فإذا فاته رزقٌ ضاق بالدنيا ولعن الخلق، وإذا واجهته بحقيقته قلب الطاولة ورماك بما فيه. لا علاج له إلا بالرجوع إلى الله، والتصالح مع النفس، والإيمان بأن الأرزاق بيده وحده سبحانه وتعالى.

قناع الوداعة

بقلم ناصر بن محمد الحارثي 

كاتب من سلطنة عُمان- مسقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *