قراءة للكاتبة سميحة المناسترلى في كتاب “نظام التفاهة”.. الجزء الأول
علاء حمدي
صدر كتاب “نظام التفاهة” في عام ٢٠١٧ وتم الطباعة الأولى المترجمة للعربية عام٢٠٢٠ بدار سؤال للنشر ببيروت، للفيلسوف الكندي ( آلان دونو) خريج جامعة باريس، وهو المحاضر بجامعة كيبك بمونتريال، قامت بترجمته د. مشاعل عبد العزيز الهاجري اعتمادا على النسخة الفرنسية الأصلية بجانب الإنجليزية المترجمة.
هنا أود أن أذكر القارئ بقيامي بنشر قراءة لإصدار الكاتب الأمريكي “هربرت شيللر” منذ عام تقريبا يونيو 2022 م عن كتابه الشهير والذى صدر بالسبعينيات من القرن الماضي، بعنوان (المتلاعبون بالعقول) وقام بفضح ركائز واستراتيجية الإعلام الأمريكي ذلك الوقت، الذي قام على تنفيذ عملية غزو للعقول عن طريق الإعلام، واستغلال “الإعلان” لما يتميز به من سرعة التأثير بوجدان المشاهد والمستمع، في توجيه العقول وتسطيحها، لتكون في وضع استعداد وجهوزية لزرع، واستقبال كل ما هو جاذب للأفراد والمجتمعات للتوجهات الإقتصادية، والسياسية التى تخدم أغراض الدول الكبرى، وهذه التذكرة ليست من قبيل القيام بمقارنة بين الإصدارين، ولكنها “لكزات” لإيقاظ إدراك القارئ العزيز مما يحاك حول الشعوب، وهو إجابة لكل من يرفض الاعتراف بنظرية التخطيط العالمي لفرض القدرة “السلطوية” على مقدرات العالم من “بشر وخيرات متنوعة” .
ظهر إصدار “نظام التفاهة” للكاتب والفيلسوف الكندي “آلان دونو”، تأكيداً لما كشفه الكاتب الأمريكي “هربرت شيللر” بالقرن الماضي، ونستعرض من خلال هذه القراءة ما تضمنه الإصدار بإيجاز غير مخل، وهو ما اعتبره توثيقا وتنفيذاً لتلك الإستراتيجية، هذا من خلال أقلام هؤلاء المفكرين أنفسهم، حيث سنقوم بربط هذه النظريات مع إصدار آخر للكاتب والمفكر المصري الكبير د. “أسامة أبو طالب”، والذي قام بتوثيق نتائج هذه الإستراتيجية في تاريخنا الآني، بصورة سردية مبسطة، لا تخلو من عمق الفكرة و تأكيداً لخطورتها.
لذلك دعونا نرجع إلى فحوى إصدارنا اليوم وهو “نظام التفاهة” والذى قدمه الكاتب من خلال 368 صفحة تحتوي على مقدمة وأربعة فصول( 1. المعرفة والخبرة / 2.التجارة والتمويل/3.الثقافة والحضارة/ 4. ثورة – إنهاء ما يضر بالصالح العام ) وخاتمة سياسات الوسط المتطرف، كما تضمن الكتاب أيضا تعريف بالكاتب ونبذة عن المترجمة والأطروحات الكبرى للكتاب من وجهة نظر المترجم.
الكتاب بصفة عامة تناول ما يحدث من متغيرات “متدنية” في سلوكيات الأفراد والشعوب بالعقود الأخيرة، فتكلم عن الأسباب، والأهداف وراء السعي لتحقيق مثل هذا الإنحطاط الثقافي والسلوكي، الذى بدأ بالعوام إلى أن وصل لتركيبة المسئولين، وتسبب في انتشار الإهمال والتقصير، والتراجع في الإنتاج والتحصيل، وارتفاع نسب التفاهة في التفكير الفردي والجماعي والشعبوي والعلمي لخدمة أهداف سلطوية، واستخدام منهج “التبسيط الخطر” في جميع مناحي الحياة والدراسات، سواء المنحي التعليمي أوالديني أو القانوني أوالصحي، وارتكاب الجرائم والموبقات، وغير ذلك من كسر القيم واندثار الحياء، والعيب والخطأ، وارتكاب المحرمات .. إلخ .
بإختصار نحن في عصر تمجيد وتمكين (التافهيين) وتهميش واستبعاد ( المجتهد ) الذي يتمتع بكفاءات ومهارات مطلوبة للتقدم والنماء، نحن في عصر”نظم غير مكتوبة ولا تدرس ركائزها”، لكنها “تُفَعَل على أرض الواقع” وهذا ما سنتطرق إليه بوضوح، من خلال استعراض فصول الكتاب بالمقال القادم إن شاء الله.