لا ولا العلم سواء و العمل ( ابن السبعين نمودجا )
لا ولا العلم سواء و العمل
( ابن السبعين نمودجا )
يقول الفقيه الصوفي ( ابن السبعين ) في
” مقامات العاشقين ”
قل لمن طاف بكاسات الصفا
وسقى العشاق مما قد نهل
ما مقامات المحبين سواء
لا ولا العلم سواء و العمل
ليس من لوح بالوصل له
كالذي سير به حتى وصل
لا وﻻ الواصل عندي كالذي
قرع الباب وللدار دخل
لا ولا الداخل عندي كالذي
أجلسوه عندهم في المستهل
لا ولا من أجلسوه كالذي
سارروه وهو للسر محل
لا ولا من سارروه كالذي
صار إياهم فدع عنك الجدل
فمحوه منه عنه فانمحى
ثم لما أثبتوه لم يزل
ذاك شيء خصص القلب له
ما تبدى بعضه إلا قتل
فمن هو اذا الصوفي ( ابن السبعين ) ؟
الصوفي ( ابن السبعين ) في قصيدته يقول الشراح بانه يوجه خطابه إلى مخاطَب مفترَض يأمره بأن يوضح مفهوم الحب ودرجات تاثيره، لكون المحبة هي عمود محراب التجربة الصوفية القارة في الحياة ، والسكر عند المتصوفة هو
” السكر هو أن يغيب الإنسان عن تمييز الأشياء ” .
ويقول شهاب الدين يحيى السهروردي المقتول:
” السكر سانح قدسي للنفس يؤدي إلى إبطال النظام عن الحركات ”
ويذكره المنوفي الحسيني بقوله:
” السكر غيبة بوارد شهود الخلق ”
ويقول: روزبهان:
” السكر هو كثرة شرب أقداح حسن التجلََي ”
ويقول الطوسي:
” السكر معناها قريب من معنى الغيبة غير أن السكر أقوى من الغيبة ”
ومقامات المحبين مختلفة في المعرفة والعمل، فالمعرفة هي البغية القصوى،صاحبها ذو انكسار دائم، ودمع عينه أو قلبه مدرار، قال تعالى:( إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) الأنفال .
والمعرفة انكشاف يوجب رفع الغطاء عما استتر وتغطى ، وهو يكون بحسب كل حضرة ومقام واستعداد وقبول. فالحب الصوفي لا بد لصاحبه من معرفة ذاته حق المعرفة لكي ينتقل بعدها لمعرفة أكبر وأجل : معرفة الله عز وجل”
ومن شأن درجة المعرفة هذه أن تعرف المحبوب وتوحده بآن واحد باعتبار الحب الحقيقي لا يسعه سوى قلب واحد، والقلب بدوره لا يتسع إلا لمحبوب واحد بالضرورة” .
فمن هو اذا الفقيه الصوفي ( ابن السبعين )
هو ( عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي ) يلقب في المشرق بقطب الدين ، راى النور في بلدية ريكوتي ( Ricote) الواقعة في منطقة ( مورسية ) جنوب شرق اسبانيا ، سنة 614 ه ينتمي إلى أسرة نبيلة غنية ذات شان في الأندلس، تعلم العربية والأدب وأخذ التصوف عن(ابن دهاق ) .
لقب بشيخ السبعينيَّة نسبة إلى الطريقة الصوفية التي يسمى أتباعها بالسبعينية،او” الليسية” لأن ذكرهم كان: «ليس إلا الله».اشتهر بابن سبعين لأنه كان يطلق على نفسه ابن دارة – والدارة في الحساب = حرف العين = 70
كان الزاهد الصوفي ( ابن السبعين ) ذكيا ، اشتهر بالزهد والعلم والفلسفة ، انتقل وكعادة الصوفيين عبر العديد من المناطق الشمالية الاسبانية ك ( التبريزي شمس ) وغيره ،ضالته في ذلك البحث عن المعرفة والعلم ، ثم استقر لفترة طويلة في ( سبتة ) شمال المغرب ، حيت الف من خلال تواجده بها العديد من الرسايل ، وكذا المناظرات الفقهية .
كما اشتهر ( ابن السبعين ) بمجموعة من المسائل الفلسفية ،كمثلا:
* هل العالم قديم ام محدث ؟
* ما المقصود من العلم الالاهي ؟ وما مقدماته الضرورية إن كانت له مقدمات؟
* ما الدليل على بقاء النفس وما طبيعتها؟ .
وقد وُفق ( ابن السبعين ) في الاجابة على التساؤلات اعلاه ، حيت ابهر في هذا المجال كل متتبعيه ، لعُلو كعبه واِجاباته العالية ، الامر الذي لم يستسغه كل من في قلوبهم مرض وحسد من فقهاء ومغرضين علما انهم يعلمون علم اليقين بان النبي ﷺ قال: ” لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ” .
و معنى ” لا حسد ” في هذا الحديث حسب علماء التفسير اي الغِبطة ، وهذه الاخيرة امر محمود ، اما الحسد فحرام و لا يجوز .
ومع ذلك اتهموه بالكفر ، ظلما وعدوانا ،كما شهد بذلك تابعوه والمحايدون من علماء عصره ، ونشبوا له المكايد ، كما هي عادة ” العرب ” ، فالخصوم يدعون بان ( ابن السبعين ) صدرت عنه كلمة كفر وهي قوله :
“لقد حجر ابن آمنة واسعاً حيث قال: لا نبي بعدي) ، بمعنى ان النبوة مكتسبة وهذا كذب وافتراء عليه كما يقول الباحثون ، فهو يقول في( كتاب بد العارف) أن مرتبة النبوة ممنوعة ولا طمع فيها بوجه من الوجوه ،كما انهم نسبوا له ايضا القول بوحدة الوجود ، والقائل بوحدة الوجود لا يحتاج الى نبوة او غيرها لأن الكل عنده آلهة وأرباب.
في حين ان اخرين يروا ان في تلك الاتهامات غلوا ، وتشويها لسمعة الصوفي الذي كان من اشد الناس حرصا على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم “،
الامر الذي كان سببا في طرده من مدينة ” سبتة ” ومن ” بجاية ” ، رحل الى مصر ، ومنها الى مكة المكرمة ، حيت انتشرت مكانته بسب غزارة علومه وسخايه ، الى ان وافته المنية بمكة سنة 669 ه
واِن كان هناك تضارب في سبب وفاته ، الا ان المهم ان الصوفي ( ابن السبعين ) لقي ربه ، وبشهادة اتباعه ان الرجل كان مخلصا في دينه ، وعقيدته .
التجربة الصوفية كما يقول الباحثون لا يمكن حصرها او الوصول الى اغوارها عبر المسارات العلمية ، او دروب القواعد الفلسفية – بل هي ابعد عن ذلك بكثير – اعتبارا لكونهما أعمال عقلية، في حين ان التجربة الصوفية محراب كواليسها الفؤاد والوجدان .
صفحات محراب تاريخ العالم العربي حُبلى بتراث و بموروث ادبي ثقافي علمي وصوفي وازن ، مسار جدير حقيقة بالبحث والاهتمام ، غني من حيت التنوع و مجالات العلوم ، وعلينا ان نفتخر بذلك كعالم عربي حوت امواج شواطيه كنوزا علمية ستبقى راسخة على رمال الزمن ، فقط هناك امر مرتبط ببعض الاستثناءات التي يتم الاشارة اليها بخط اسود ، يتمثل في المؤامرات الدنيءة ، والدسايس ضد كل من و ما هو جميل ، ضد كل من يتمتع بروح الحق ، ضد كل صدوق خلوق ، كما هو الامر مع الصوفي ( ابن السبعين) و ( التبريزي شمس) و ( ابي حيان التوحيدي ) و ( ابن النحوي ) والعديد من النجوم الذبن سطع نجمهم في مجال العلوم والفقه والفلسفة .
ولا ادري اهي لعنة مغارة الدم ، وقصة اول جريمة وقعت على صفحات تاريخ الماضي ، والتي ما زالت تطارد البشرية الى يومنا هذا ، ام ان هناك امورا بلغت درجة تعقيداتها ما لم نسطع على الاقل في ظروف البشرية المعاصرة ايجاد تفسير منطقي مقبول لها ، استمرارية مشهودة ، ولا معقولة ، تصيب الجمال والخير اينما كان ، وحيثما كان ، تستكين مع الرداءة ، وتتمرد ضد الحق والعدل والجمال ، اِشكالية حقيقة تعيشها البشرية ، على الرغم من التطور الحاصل في المجال المعرفي والتكنولوجي الرهيب .
وختاما اردد ما قاله الامام الشافعي رحمه الله :
الطرُق شتى وطرق الحق مفرَدة
والسالكون طريقَ الحق أفرادُ.
او كما يقول الإمام الشاذلي رحمه الله :
لا تنشر علمك ليصدقك الناس، وانشر علمك ليصدقك الله .
الله غالب
عبدالسلام اضريف