الدكروري يكتب عن مبعث كل طمأنينة
الدكروري يكتب عن مبعث كل طمأنينة
بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن من آيات الله عز وجل الليل والنهار في تعاقبهما على العباد يطول هذا تارة ويقصر أخرى ويتساويان جعل الله الليل سكنا يسكن في العباد فينامون ويستريحون وجعل النهار معاشا للناس يبتغون فيه من فضل الله ويكسبون، والكون كله من آيات الله كله من آيات الله جملة وتفصيلا هو الذي خلقه وهو المدبر له لم يخلق الكون نفسه ولم يخلقه أحد غير الله عز وجل، وقيل أنه جاء رجل للحسن البصري قال يا أبا سعيد، إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك، فمتى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى متى نعوّد أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا؟ ومتى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا؟ كل ذلك حينما نبذل الصدقة السخية.
لا نبالي الفقر أو المسكنة، ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا ؟ نعم إنها العبادة عبادة الله، هي طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء، فهنيئا لنا سلوكها وتوخي طريقها لأنفسنا وأزواجنا وأولادنا، وإذا كان الانسان ضعيفا فإن مصدر قوته في سبيل واحد فريد وهو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة، وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان إنه الإيمان بالله، فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية، وما دون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة، وإن النار هي الدار الأبدية الخالدة التي أعدها الله تعالي للكافرين به، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، العاصين لأمره، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه.
وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وبهم تمتلئ ، ولقد كان من حكمة الله البالغة أن خلق النار على ما هي عليه من الكمون والظهور، فلو كانت ظاهرة أبدا كالماء والهواء لأحرقت العالم، وعظم ضررها، ولو كانت كامنة لا تظهر لفاتت المصالح المترتبة على وجودها فاقتضت حكمة الله، أن جعلها مخزونة في الأجسام، يخرجها الإنسان عند حاجته، ولكل نار وقودها، فما وقود النار؟ وقود النار يوم القيامة الناس والحجارة العظيمة ، فقال الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” وقال الله تعالى ” إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون” فتصور وتخيل أن وقود النار أناس مثلنا.
وحجارة شديدة، فهل بعد هذه الأوصاف والنعوت المخيفة نظل عصاة بعيدين عن الصراط المستقيم، ولا مقارنة بين نار الدنيا ونار الآخرة، حتى نار الدنيا هذه التي بين أيدينا، نستدفئ بها، وننضج بها طعامنا، ولو شبّت في إنسان أو جماد أو منزل حوّلته فحما، هباء منثورا، ومع ذلك كله لا تقاس بنار الآخرة، ولقد أودع الله نار الدنيا باطن الأرض، وحبسها في الحطب والخشب، وهي مع عظمتها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قيل يا رسول الله إن كانت لكافية، قال فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها” رواه البخاري ومسلم، وكما أن الجنة درجات بعضها فوق بعض.
فالنار دركات بعضها أسفل من بعض، وأشد أهل النار عذابا المنافقون فهم في الدرك الأسفل من النار، وذلك لغلظ كفرهم، وتمكنهم من أذى المؤمنين، فقال الله تعالى ” إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا” وقد يخفف الله عذاب بعض أهلها، فعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال “نعم” هو فى ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار” رواه البخاري، وتخيل لو أن الله أذن لها أن تخرج لأهلكت ما على وجه الأرض، لتأكل الأخضر واليابس، وتلتهم الغابات، وتذيب الحديد والمعادن، ولكن الله عز وجل يخرج منها بقدر، ليتذكر الناس به النار الكبرى يوم القيامة، وليستمتعوا بمنافعها.