موكب النصر والعفو يوم فتح مكة
موكب النصر والعفو يوم فتح مكة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 20 أكتوبر 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ثم أما بعد، روي عن عبدالله بن الزبير قال “أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ” رواه البخاري، ويأخذ العفو من أخلاق الناس كقبول أعذارهم إذا اعتذروا، والمساهلة معهم، والصبر عليهم وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر قالت.
“قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ” رواه الترمذي، فأبشر يا من تكظم غيظك، أبشر بفرج من الله في الدنيا والآخرة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كفّ غضبه كف الله عنه عذابه، ومن خزن لسانه ستر الله عورته، ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره” وعن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء” رواه أبو داود، هكذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ليس عندهم فظاظة ولا غلظة على المسلمين، ويدعون لمن ظلمهم ولا يدعون عليه، وثبت عن أبي وائل قال.
” رُمي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم سواء بسهم أو حجر من أعدائه، يقال له أبو نحيلة، فقيل له ادعو الله، أي يطلبون منه أن يدعو الله على من رماه، فقال اللهم أنقص الوجع، ولا تنقص من الأجر وكان من دعائه الذي رباه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم “اللهم أنقص الوجع ولا تنقص الأجر ” فقيل له ادعو ادعو، فقال اللهم اجعلني من المقربين، واجعل أمي من الحور العين” فأين هذه الأخلاق عند المسلمين في هذا الزمان؟ ليس مع أعداء الله بل بين أنفسنا يا عباد الله، فأين نحن من هذا في هذا الزمان يا عباد الله؟ أين نحن يا عباد الله من هذه الصفات التي ذكرها الله في كتابه، وحث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، وتمثلها الصحابة رضي الله تعالى عنهم؟ فيا أيها المسلمون تعالوا بنا إلى رسولنا وحبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم أسوتنا الحسنة.
وقدوتنا الصالحة، ومثلنا الأعلى، الذي بعثه الله تعالي معلما للبشرية ورحمة للإنسانية، تعالوا بنا لنرى نبينا الأكرم، ومعلمنا الأعظم، وهو يدخل مكة فاتحا وهي التي ائتمرت على قتله، وأخرجته وعذبت أصحابه، ونكّلت بهم وقاطعته وكذبته، وقاتلته في بدر، وأحد، والخندق، وألبت عليه العرب جميعا، لقد ألقى أهلها كل سلاح، ومدوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى، فأمره نافذ في رقابهم، وحياتهم جميعا معلقة بين شفتيه وهذه عشرة آلاف سيف تتوهج يوم الفتح فوق ربى مكة، تأتمر بأمره وتنتظر إشارة منه، إنها تستطيع أن تبيد مكة وأهلها في لمح البصر، لقد دخلها يوم الفتح الأعظم دخول المتأدبين الشاكرين معترفا بعظم الفضل ولم يدخلها دخول المتكبرين المتجبرين، ثملا بنشوة النصر، ولقد سار النبي صلى الله عليه وسلم في موكب النصر يوم فتح مكة حانيا رأسه.
حتى تعذر على الناس رؤية وجهه وحتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره، مرددا، بينه وبين نفسه، إبتهالات الشكر المبللة بالدموع، فسأل أعداءه بعد أن استقر به المقام يا معشر قريش ويا أهل مكة فاشرأبت إليه الأعناق وزاغت عند سؤاله الأبصار، فسألهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ وصاحت الجموع الوجلة بكلمة واحدة كأنما كانوا على إتفاق بترديدها قالوا خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال ” اذهبوا فانتم الطلقاء ” عفا عنهم، وصفح عن أعمالهم، مع أنه كان قادرا على الإنتقام لكنه خلق عظيم، منه صلى الله عليه وسلم.