هنا نابل
بقلم المعز غني
هل الضحكة البريئة تحيل التلميذ على مجلس التأديب؟
في مدينة الحمامات ، وتحديدًا بالمعهد الثانوي عاطف الشايب ، إنقلب روتين العودة إلى مقاعد الدراسة إلى مشهد إحتجاجي صاخب.
فقد رفض التلاميذ صباح اليوم السبت 27 سبتمبر 2025 الدخول إلى الأقسام ، مصرّين على رفع أصواتهم في وجه ما أعتبروه ظلماً بيّناً طال زميلتهم ، التي وجدت نفسها أمام عقوبة تأديبية وإحالة على مجلس التربية فقط لأنها… ضحكت …!
هنا نابل
مشهد لم يخلُ من رمزية ؛ تلاميذ في عمر الورد يدافعون عن حقّ بسيط في الحياة ، حقّ في الفرح ، في الضحكة البريئة التي لا تعرف قيود القرارات الإدارية.
وكأنهم أرادوا أن يقولوا للعالم : المدرسة فضاء للعلم ، نعم … لكنها قبل كل شيء فضاء للحرية ، للنمو ، وللضحك أيضاً .
البارحة الجمعة، كان أول صوت للاحتجاج ، حيث أصطفّ التلاميذ وقفة رجل واحد أمام بوابة المعهد ، ووجوههم تشي بالرفض القاطع للإجراء الذي أعتبروه تعسفياً.
اليوم ، كان الصوت أعلى وأكثر وضوحاً : لا للدكتاتورية داخل المؤسسات التربوية ، ولا لتحويل الإبتسامة إلى جريمة تستحق العقاب.
وتحوّل الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي بين المديرة الصديقة السيدة فاتن بن سلامة وولية التلميذة إلى وقود جديد للنقاش العام.
فقد أظهرت الأم إحتجاجها الصارخ ، معتبرة أن القرار ليس فقط قاسياً بل مجحفاً أيضاً ، وأن المدرسة التي من المفترض أن تحتوي أبناءنا وتربّيهم على قيم المحبة والتسامح ، لا يليق بها أن تصادر حقّهم في الضحك .
القضية لم تعد مجرّد حادثة عابرة ، بل غدت مرآة لأسئلة أعمق:
أيّ تربية نريد أن نقدّم لأبنائنا ؟
هل المدرسة ساحة لتكميم الأفواه والانضباط الصارم الذي يخنق الأرواح ، أم فضاء يوازن بين الجدّ والمرح ، بين العلم والحياة؟
إن الضحكة في وجه الحياة ليست خطيئة ، بل هي مقاومة صغيرة ضد ثقل الأيام ، وهي نفَس ينعش الروح ويفتح أبواب الإبداع.
ولعلّ التلاميذ بانتفاضتهم هذه يرسلون رسالة أوضح من أي درس نظري: لا معنى للتعلّم دون حرية ، ولا قيمة للمدرسة إذا ما أطفأت شعلة الحياة في قلوب أبنائها .
فماذا عنكم أنتم …؟
أليست الضحكة البريئة أجمل درس يمكن أن نتعلمه جميعاً …؟
وألا يحق لتلميذ أن يبتسم وهو يتعلّم دون أن يخشى العقاب …؟
وقبل يوم جدت
حادثة غريبة جدّت بمدينة الحمامات من ولاية نابل، حيث أقدمت مديرة أحد المعاهد الثانوية على منع التلاميذ من أداء الصلاة بساحة المعهد ، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في صفوف التلاميذ والأولياء على حدّ سواء.
فالمكان الذي يُفترض أن يكون فضاءً للتربية على القيم الإنسانية والروحية ، تحوّل فجأة إلى ساحة نزاع بين المنع والحقّ المشروع في ممارسة الشعائر الدينية .
إن الدساتير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان قد نصّت بوضوح على حرية المعتقد ، وأعتبرت ممارسة الشعائر الدينية حقّاً أصيلاً لا يُنتزع ولا يُقيَّد إلا بما يحفظ النظام العام ويحترم الغير.
فكيف لمدرسة ـ وهي المؤسسة التي تُعنى بصناعة أجيال الغد ـ أن تخالف روح هذه المبادئ وتمنع التلميذ من أداء فرض ديني هو في صميم هويته وكيانه؟
الصلاة ليست مجرّد حركات أو طقوس ، بل هي إعلان إنتماء إلى جذور الروح ، وهي صلة بين العبد وخالقه ، وحقّ من الحقوق الطبيعية التي لا يملك أي قرار إداري أن يمحوها أو يقيّدها.
فالعلم بلا روح ، والمعرفة بلا إيمان ، كالأرض الجرداء التي لا تنبت إلا شوكاً.
والمدرسة التي تغفل هذا التوازن تُخرّج أجيالاً منقوصة ، تعرف لغة الأرقام والمعادلات ، لكنها تجهل لغة الروح والضمير
لقد عبّر العديد من التلاميذ عن إستيائهم من هذا القرار ، معتبرين أن المعهد ليس مجرّد جدران تحفظهم داخل قاعات مغلقة ، بل هو فضاء حياتي يتشاركون فيه العلم والأخلاق والممارسات التي تُشكّل هويتهم.
أما الأولياء فقد رأوا في هذه الحادثة مساساً خطيراً بما تربّت عليه الأجيال ، من قيم إحترام الحرية الدينية وحقّ الإنسان في أن يمارس شعائره دون تضييق .
إن المدرسة ليست سجناً ولا ثكنة ، بل بيتاً ثانياً يهيّئ أبناءنا ليكونوا مواطنين أحراراً ، مسؤولين ، متجذّرين في هويتهم وقيمهم.
وإذا أطفأنا في قلوبهم شعلة الروح ، فبأي نور سيضيئون دروب المستقبل؟
فماذا عنكم أنتم … ؟
ألا ترون أن إحترام حرية المعتقد هو أساس كل تربية عادلة …؟
وهل يمكن أن نتخيل تعليماً يثمر أجيالاً صالحة إذا بُني على تكميم الروح بدل رعايتها …؟
أترك لكم مساحة للتعبير عن آراءكم وتعليقاتكم
بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف
هنا نابل