الرئيسيةمقالاتهو الذي أحيا الأرض بعد موتها
مقالات

هو الذي أحيا الأرض بعد موتها

هو الذي أحيا الأرض بعد موتها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد يقول الله تعالي ” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا” وهنا تفسير الآية هو إستفهام تقريري للتوبيخ والإنذار، يخبر الله تعالي النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر هؤلاء بأن هناك من هم الأخسرون في أعمالهم، أي الذين خسروا كل شيء وهم “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا” فإن أعمالهم التي قاموا بها لم تكن لله ولم تكن على هدى، بل ضاعت وإضمحلت بسبب الكفر أو الشرك أو البدع، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أي ان المصيبة الكبرى أنهم كانوا يعتقدون بصدق أنهم على الحق وأن أعمالهم مقبولة، وهذا يظهر حجم الغفلة والضلال.

ومن يشملهم هذا الوصف؟ هم الكفار والمشركين الذين عبدوا غير الله كعباد الأصنام، وكذلك اليهود والنصارى كما فسّرها بعض الصحابة، فاليهود كذبوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والنصارى كفروا بالآخرة، والمنافقون والمبتدعة وهم الذين يعملون أعمالا ظاهريا ولكن بنيتهم فاسدة أو مبتدعة لم يشرعها الله تعالي، وأيضا العصاة والظالمون وهم الذين يبررون معاصيهم ويظنون أن أعمالهم الصالحة تغفر لهم دون توبة حقيقية، والخلاصة أن الآية تحذر من الأعمال التي تكون بلا أساس صحيح من الإيمان والتوحيد، وتكشف أن الخسارة الحقيقية ليست في قلة العمل، بل في حبطه وفنائه يوم القيامة رغم إعتقاد فاعله أنه على صواب، واعلموا أن من علامات وحدانية الله تعالي وقدرته أنك ترى الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها المطر دبّت فيها الحياة.

وتحركت بالنبات، وانتفخت وعلت، إن الذي أحيا هذه الأرض بعد همودها، قادر على إحياء الخلق بعد موتهم، إنه على كل شيء قدير، فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى، ولقد جاء في وصف سفينة نبي الله نوح عليه السلام بأنها جارية تعبيرا على جريانها فوق المياه، والجارية هي مفرد جواري كما جاء في سورة الرحمن “وله الجوار المنشئآت فى البحر كالأعلام” وأنها ذات ألواح ودسر، والألواح يقصد بها ألواح خشبية حيث أن نوح قام ببناء السفينة من ألواح الأشجار ويقال أيضا أن نوح كان نجارا، أما الدسُر فهي مسامير السفن وشرطها التي تشد بها، وهو كما ورد في المعاجم اللغوية مثل لسان العرب وتاج العروس وحسب بعض المفسرين، ولكن البحارة العرب في القرون الوسطى استبدلوا الدسر المعدنية.

بحبال تربط أجزاء السفينة حتى يتسنى لراكبيها إصلاحها بكل سهولة لكون المسامير المعدنية تصدأ بسهولة ويصعب جدا إصلاحها خاصة إذا كانت السفينة مبحرة ولذلك أصبحت الحبال التي وضعت بدل الدسر المعدنية تسمى كذلك دسرا، حتى ذهب بعض المفسرين إلى القول بأن دسر السفينة هي حبالها، وعندما جاء وعد الله إلى قوم نوح وظهرت بوادر العذاب بتفجر الينابيع، وانفراج السماء بالمطر الغزير، أسرع نبى الله نوح عليه السلام بفتح السفينة، ليدخل فيها من آمن برسالته، كما حمل فيها من كل حيوان زوجين اثنين، ذكرا وأنثى، ليستمر وجود جميع المخلوقات على الأرض، وبعد أن حملت السفينة من آمن من قوم نوح وغيرهم من هوام الأرض ودوابها، ارتفعت المياه في مناحي الأرض من شتى الجهات، واشتد المطر حتى التقت مياه الأمطار بمياه ينابيع الأرض.

وإرتفع الموج وازدادت شدته، فعم اليابسة من شدته، فغرقت الأرض، ولم يبق من الأحياء إلا من ركب السفينة مع نوح عليه السلام، وفي ذلك الوقت جرت سفينة نوح وسط الأمواج، وقد استمر الطوفان زمنا لا يُعرف مقداره، حتى جاء أمر الله بأن تكف الأمطار عن الإنهمار، وأن تبتلع الأرض ما أخرجته من مياه، وأن ترسو السفينة وتستقر على جبل الجودي، وحدث الطوفان عن طريق هطول أمطار غزيرة وانفجار عيون الأرض وذلك فى قوله تعالى “ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر” وكذلك طغيان الماء وذلك فى قوله تعالى ” إنا لما طغا الماء حملناكم فى الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية” وفوران التنور وهو حسب بعض المفسرين نبوع الماء من التنور من الأرض وهي إشارة لنوح بركوب السفينة.

وذلك فى قوله تعالى “فاذا جاء أمرنا وفار التنور” والفوران حسب المعاجم اللغوية هو ارتفاع سائل بسخونة نتيجة تعرضه لمصدر حرارة، أما التنور هو وجه الأرض حسب قول ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة، ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا بذلك ربنا، فاللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *