وزارة التربية تصدر بلاغًا هامًا وتحسم الجدل
بقلم: المعز غني
المدرسة ليست جدرانًا وأقسامًا فحسب ، إنّها شجرة وارفة الجذور ، تمتدّ فروعها نحو المستقبل ، وتُظلّل أبناءها بالعلم كما يظلّل الغيمُ العطِشَ بالندى .
والحرية ليست شعارًا مكتوبًا في الدساتير ، بل هي نسمة هواء يتنفسها العقل ، وماءٌ عذب تترشفه الروح
في أعقاب الحادثة التي جدّت بأحد المعاهد الثانوية بمدينة الحمامات من ولاية نابل ، حين إرتفعت الأصوات بين مؤيد ورافض لممارسة الصلاة في ساحة المعهد ، جاءت وزارة التربية ببلاغٍ رسميٍّ حاسم ، أشبه بميزان يُراد له أن يضبط الخطى ويعيد الأمور إلى نصابها .
ففي البلاغ، أوضحت الوزارة أنّ المؤسسات التربوية لا تُفتح أبوابها خارج أوقات الدراسة إلا لما كان مرخّصًا ومحدّدًا بوضوح:
المؤتمرات الانتخابية للنقابات الأساسية ، وبترخيص مسبق من المندوبيات الجهوية.
الحملات الصحية التي تنظّمها وزارة الصحة ، مثل التلقيح وما شابهه.
الأنشطة الثقافية والرياضية وسواها ، ولكن في إطار شراكة مع بقية الوزارات وتنسيق مع رئاسة الحكومة .
وكأنّ الوزارة أرادت أن تقول إنّ المدرسة ليست ساحة مفتوحة لكل نزاع ، ولا منبرًا لخطابٍ قد يُفقدها حيادها وقداستها التربوية ، بل هي فضاء مقدّس للعلم ، أشبه بمحرابٍ تُتلى فيه أناشيد المعرفة وتُزرع فيه بذور المستقبل .
لكن ، وهنا تنفتح الأبواب على جدلٍ أكبر:
أين تقف حرية التلميذ في ممارسة شعائره الدينية داخل أسوار المعهد؟ وكيف نوازن بين النصّ القانوني الجامد ، وبين الحق الطبيعي والدستوري في الحرية والمعتقد؟.
أليس في المنع المطلق نوعٌ من الإجحاف الذي يحوّل المدرسة من بيتٍ للعلم إلى فضاءٍ مقيّد الصمت ، خالٍ من الروح؟
إنّ البيان ، في ظاهره، محاولة لضبط الإيقاع وتحصين المدرسة من التوظيف السياسي والإيديولوجي.
غير أنّ ما يظلّ يتيماً فيه هو ذلك البعد الإنساني والروحي ، الذي لا تنص عليه المراسيم ولكنه يسكن في قلوب التلاميذ.
فالعقل يحتاج إلى غذاء ، لكنّ الروح بدورها تستحقّ أن تتنفس.
وهكذا يبقى السؤال قائمًا ، يطرق الأذهان بإلحاح:
هل إستطاعت وزارة التربية بهذا البلاغ أن تغلق أبواب الجدل ، أم أنّها فتحت أبوابًا أوسع نحو نقاشٍ مجتمعي أعمق ، حول معنى الحرية ومكانة الدين في حياة المدرسة العمومية.
وزارة التربية تصدر بلاغًا هامًا وتحسم الجدل