ولاد أديب ومساحة النقد والتأديب
وائل عباس
لم يعد خافيًا على جمهور العامة من مشاهدى برامج ” التوك شو ” وشاشات الفضائيات ؛ أن بعض البرامج الحوارية العربية لم تعد منصات للنقاش العام وطرح المشكلة وسبل حلها ؛ بل على العكس تماما فقد صارت مساحات ملساء لتمرير الرسائل «الملقحة»، تلك التي تُقال بنصف كلمة ، وتُترك لتفسير المشاهد وأطلاق العنان لخياله ؛ بل لأستفزازه أيضا للخروج على السلم المجتمعى فى وطنه ؛ مع الاحتفاظ دائمًا بمخرج آمن من نوع : «أنا ما قولتش… أنت اللي فهمت».
الحوار الذي دار على شاشة MBC بين ” عماد أديب ” وشقيقه ” عمرو أديب ” ؛ لم يكن استثناءً من هذا النمط بل نموذجًا فاضحًا له ؛ حين يقول أحدهم :
«نريد رئيس وزراء يستطيع أن يقول لأكبر رأس في الدولة لا»، ثم يتراجع بابتسامة مراوغة ؛ عندما يُسمّى المعنى بأسمه فنحن لسنا أمام تحليل سياسي ، بل أمام تلقيح محسوب أُعدّ بعناية ليصل دون أن يُكتب عليه توقيع .
الأخطر من العبارة نفسها هو السياق الذي قيلت فيه ، والمنصة التي احتضنتها ؛ والتوقيت الذي اختير لها .
فحين يصبح الإعلامي موظفًا غير معلن لدى مراكز نفوذ إقليمية ، فإن حديثه عن «الجرأة» و«الأستقلال» يفقد معناه ، ويصير مجرد أداء وظيفي يخدم من يدفع أكثر ، لا من يهمه الصالح العام .
لسنا هنا بصدد الدفاع عن أشخاص أو مناصب ، بل عن فكرة الدولة ذاتها ؛ الدولة التي لا تُدار بالتلميح ولا تُخاطَب بالهمس ، ولا تُنتقد عبر وسطاء مأجورين .
النقد الحقيقي يكون مباشرًا مسؤولًا وموقعًا باسم صاحبه ؛ لا عبر ألعاب لغوية تشبه أحاديث المصاطب وتجمعات النساء في المناسبات ؛ أكثر مما تشبه العمل الأعلامى والنقد الصحفى البناء .
المفارقة أن من يتحدثون عن «قول لا» هم أنفسهم من لم يقولوا يومًا «لا» لمالك الشاشة ولا لممول البرنامج ؛ ولا لخط التحرير القادم من خارج الحدود ؛ فكيف لمن لا يملك شجاعة الإستقلال المهني أن يمنح دروسًا في أستقلال القرار السياسي …؟؟؟
إن تحويل شاشات كبرى إلى منابر رسائل متبادلة بين عواصم ونفوذ على حساب دول وشعوب ، هو إهانة لمهنة الصحافة والإعلام عموما قبل أن يكون إساءة لأي نظام سياسي . فالإعلامي ليس رسولًا بالوكالة ولا « مُلقّحًا » محترفًا ، بل شاهد ومسؤول أمام الرأي العام .
ويبقى السؤال الأهم … ؟؟؟
هل ما زال بعض الإعلاميين يظنون أن المشاهد العربي ساذج إلى هذا الحد … ؟؟؟
أم أن زمن الرسائل المغلفة قد انتهى ، وباتت الأقنعة أضعف من أن تخفي من يرتديها … ؟؟؟
في زمن العجائب، لا تُقاس الجرأة برفع الحاجب أمام الكاميرا ؛ بل بالقدرة على قول الحقيقة كاملة … أو الصمت بشرف … !!!
وأخيرا وليس أخرا يجب على مسؤولى الإعلام في الدولة المصرية ؛ القيام بالرد الموضوعى على مثل هذه البرامج الموجهة ومموليها ومن يقف ورائها ؛ ومن يموضعها على الشاشات لتكدير السلم المجتمعى وأثارة الفتن ؛ حتى لا يترك المواطن البسيط في حيرة ما بين وجهات نظر مغلوطة وسياسة معادية تبث له من خلال وجوه قد يتوسم فيه الصلاح والحيادية الموضوعية والوطنية ؛ ولكنها لا تعدو فى طبيعة الحال أكثر من أبواق مأجورة ووجوه مسمومة ؛ تبيع ذممها واوطانها مقابل أرصدة الدولارات والجنسيات البديلة .
ولاد أديب ومساحة النقد والتأديب


