المقالات

يظل العتاب لزيادة أو إفساد المحبة

جريدة موطني

يظل العتاب لزيادة أو إفساد المحبة
بقلم الشريف_ أحمدعبدالدايم

العتاب هل هو لزيادة أو إفساد المحبة وهل هو شيء جميل وراقي ام ذميم وغير مقبول بين الناس …؟؟
العتاب:إذا كان يلتزم بقوانينه لأنه يُزيلِ الغشاوةَ عن عينَ المْخطئ وهنا تُكمن قوانين العتاب، لأن ما بين اللوم والعتاب خيط رفيع قد لا يُدركه البعض.
وترك اللوم الجارح والعتاب الثقيل قد يُفسد العلاقة بين أشخاص أو جماعة، وقد تكون له آثار غير حميدة في النفوس، ويُفرق الأحباب، لذا لم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آل بيته الكرام وسلم من النوع الذي يتابع أخطاء الآخرين والتي تتعلق بصفتهم البشرية، ومحاسبتهم أو عتابهم، ما دام الأمر لا يتعلق بحرمات الله تعالى.
يقول سيدنا أنس رضي الله عنه -:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم، فأخذ أبوطلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أنسًا غلام كيّس فليخدمك. قال: فخدمته في السفر والحضر، ما قال لي لشيء صنعته لِمَ صنعتَ هذا هكذا ولا لشيء لَمْ أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا.
لكن البعض يُشبه العتاب بالصابون لأنه يمحي القاذورات والوسخ والاتربة، وكل ما يعتلي القلب من كراهية وحقد وأحزان.
العتاب فيه صفاء النفوس والعتاب على قدر المحبة، قول يتداوله الناس.
ورد في الأثر (ليس منا من فرّق) لذا تجد الإسلام حريص أشد الحرص على تماسك الأسرة، تماسك الحي، تماسك المدينة، تماسك المجتمع المسلم.
لكن العتاب له عدة قواعد يجب أن تُراعى في أثناء العتاب فإنه قد تنفر منك الأصدقاء، تم حصرها في خمسة عشرة نقاط وأُولى تلك النقاط -:
1. فن العتاب:
أُوّلي القواعد. فن العتاب. هي المعاتبة الرقيقة والتواصل، وهكذا يكون العتاب الرقيق الذي لا يوجه مباشرة إلى الملوم؛ حتى لا يتشاغل بالدفاع عن نفسه، وينسى في ظل الجو شديد السخونة أن يتعلم ويفهم المراد من التوجيهات السديدة، والنصائح الرشيدة، ويفهم عن اقتناع ورضا نفس أن الأولى هو فعل ما يرشد إليه العاتب.
2. إياك وكثرة العتاب:
أهم قواعد العتاب على الإطلاق عدم كثرة العتاب، وضمانة فعالية العتاب في بقاء المودة والمحبة بين الناس، فكثرة اللَّوْم في الغالب لا تأتي بخير، ليس كلُّ لوم، ولكن كثرة اللوم والعتاب؛ فإنها تُنفِّر منك الصديق، وتبعد عنك المحب، ولحظةُ كدرٍ وحِدَّةٍ في عتاب؛ قد تفسد عليك أخوة عُمْرٍ، وتسرُّعٌ في عتاب – بأدنى شيء-قد تبعد عنك حبيب دهرك كله.
قال الشاعر:
ومن لا يُغْمِضْ عينه عن صديقه. وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتب
ومَنْ يتتبَّعْ جاهدًا كلَّ عثـرةٍ. يجدْها ولا يُسْلِمْ له الدهر صاحبًا
3. إياك والجدل:
إياك والجدل. إلا إذا كان بالحسنى، غير ذلك، فهو المراء الذي يُرهق العقول، ويوغر الصدور، بالجدال؛ قد تخسر أقرب الأصدقاء، وأخلص الأحباب، ولو كنت محقًا، ذلك أن المجادل بعقله الباطن؛ يربط كرامته بأفكاره، فإذا أردت أن تنقض أفكاره بالحجة والبرهان؛ يرى أنَّك تنتقص من كرامته؛ فيزداد بها تشبثًا، فلذلك وجه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام، فعَنْ أَبِي أُمَأمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أنا زعيم ببيت في رَبَض الجَنَّة لمن ترك المِراء، وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وَسَط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ “.
لذا هناك فرق كبير بين المجادلة وبين الحوار:
بالحوار الهادىء تسوده المحبة، يسوده التفاهم، يسوده التواصل، تسوده رغبة في معرفة الحقيقة.
بينما الجدال: يسوده الكبر، يسوده رغبة في تحطيم الآخرين، يسوده استعلاء، فإياك أن تجادل، لا تجادل، ولكن، الق كلماتك الرقيقة العاتبة بأرقى أسلوب؛ فلعلَّ قلب المخطئ يلين.
4. إياك والمعايرة:
المعايرة من الأخلاق الذميمة، التي تكشف عن سوء الطوية وخبث النفس؛ خلق المعايرة، فالذنب شؤم على المجتمع؛ ويوجد مشكلةً مع صاحب الذنب، مع صديقه، مع أخيه، مع جاره، مع اقاربه، صاحب المذنب، إن رضي بهذا الذنب؛ شاركه في الإثم، وإن ذكره للناس؛ فقد اغتابه، وإن عيَّره؛ ابتلي به.
ليس من أخلاق الانسان السوي أن يعيَّر أخيه بالذنب، لأن يحب طاعة الله، ويبغض الشيطان، ويبغض أولياء الشيطان، حتى يصبح يملك قلبًا مرهفًا، ونفسًا جياشة، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله، فالحب في الله، والبغض في الله؛ من أوثق عرى الإيمان، ولكن بعض الناس يشط، فبدلًا من بغضه للمعصية وصاحبها؛ يعيّر المذنب، ويتعالى عليه، جاء في الحديث عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: “أن رجلًا قال واللهِ، لا يَغْفِرُ الله لِفُلان، وأَنَّ الله تعالى قال: مَن ذَا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغْفِرَ لِفُلان؟ فَإِني قد غفرتُ له، وأَحبَطتُ عمَلَكَ.
لذا إياك أن تعيّر أحدًا بذنبه؛ فقد يعافيه الله ويبتليك، والنُصح يكون فيما بينك وبينه، ثم أشكر الله عز وجل أن عافاك من هذا الذنب، الذي وقع فيه أخوك، ينبغي أن تشكر الله، وأن تدعو لأخيك، لا أن تعيّره، لا أن تتعالى عليه، لا أن تقوم مقام الشامت به، فلذلك من قواعد المعاتبة؛ أن تبتعد أشد البعد عن التعيير.
5. النظر بواقعية للخطأ:
أنظر بواقعية للخطأ، وتعني النظر بواقعية تجاه أخطاء البشر، فلا أحدَ يخلو من أخطاء، وفي الحديث: ” كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ “، ومن طلب صديقًا بلا عيبٍ أو خطئٍ؛ أفنى عمره قبل أن يتحقق له ما يريد، والواجب على المسلم عندما يرى أخاه على خطأٍ، وعيبٍ؛ أن يبصره بالتعامل الأمثل مع هذا الخلل، فليس بعار أن يكون الإنسان مخطئًا، ولكنَّ العار الحقيقي أن يستمر على خطئه ويواصل الاحتفاظ بعيوبه، وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين على أنهم بشر يخطئون.
قال الشاعر:
اقبلْ أخاك ببعضه. قد يُقبل المعروف نـزْرًا … واقبلْ أخاك فإنَّه. إنْ ساءَ عصرًا سرّ عصرًا
6. التغافل عن الأخطاء البسيطة:
التغافل عن الأخطاء البسيطة ليس تأكيدا للخطأ أو عدم اهتمام به، وليس سذاجة ولا غباء ولا ضعف، بل هو الحكمة بعينها. قال أهل الفضل: لا يكون المرء عاقلًا حتى يكون عما لا يعنيه غافلًا.
وقال عثمان بن زائدة: قلت للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال: “العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل”، وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرمًا وترفعًا عن سفاسف الأمور.
(ليس الغبي بسيّد في قومهِ. لكن سيّد قومهِ المتغابي)
إن «أدب التغافل» هو من أدب السادة، أما السوقة فلا يعرفون مثل هذه المُكرّمات، ولذلك تراهم لدناءة همتهم يحصون الصغيرة، ويجعلون من الحبة قبة، ومن القبة مزارًا، وهؤلاء وإن أظهروا في الإحصاء على الآخرين فنونا متنوعة من ضروب الذكاء والخداع، لكنه ذكاء أشبه بأمارات أهل الحمق الذين تستفزهم الصغائر عند غيرهم، ولا يلقون بالا للكبائرعند أنفسهم، وأمثال هؤلاء لا يكونون من السادة في أقوامه.
7. خذ بيد أخيك عند الخطأ:
كن بجوار إخيك عند الخطأ، ولا تتخلَّ عنه، وتتركْه غنيمةً باردة للشيطان، أزلِ الغشاوةَ عن عينَيه المْخطئ؛ وحينما ترى خطأه؛ لا تتشنَّجْ، ولا تجحظْ بعينيك، ولا يتعكر صفو مزاجك، تمهل، قد يكون المخطئ قد غطي على عينيه، فلم يدر ماذا يفعل.
القصد.الذي يخطئ على عينيه غشاوة؛ حاول أن تُزيل هذه الغشاوة بهدوء، وبحكمة، وبصبر، وبحلم؛ فلعلَّه يعود إلى فطرته، ويعود إلى رشده.
8. الرفق مذلل الصعاب:
فالرفق زينة الأمور، وزينة الكلام، وزينة الرجال، وزينة الإسلام كله، وقد حض عليه الرسول الكريم في عدة مواطن، فقال ” إِنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العنفِ، وما لا يُعطي على مَا سِواهُ “، وقال: “إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَأنَه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَه “، وقال ” إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ “.
9. إياك والمبالغة أو التهوين:
إحذر التهوين أو المُبالغة فتضخيم الخطأ، أو تصغيره؛ من الأخطاء الشهيرة عند العتاب، فإنك حين تعظّم الحقير؛ توغر الصدر، وحين تحقّر العظيم؛ تفسد الأمر، ومن صفات العوام؛ أنهم يبالغون، فالخطأ الصغير؛ يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة، والخطأ الكبير يصغرونه إن صدر من أحبابهم وكأنه هفوة، والرسول صلى الله عليه وعلى آله الكرام وسلم حين علم أن أسامة رضي الله عنه قد قتل رجلًا؛ بعد أن نطق بالشهادة، اشتد في عتابه وإنكاره على أسامة فِعلتَه، حتى تمنى أسامة، الا يكون قد أسلم إلا في هذا اليوم. وعندما كسرت عائشة إناء صفية؛ لم يزد على قوله: ” غارت أمكم “، والزمها بضمان ما أتلفته، لم يزدْ في عتابه، وتقريعه عن ذلك؛ لعلمه أن الغيرةَ بين النساء أمرٌ جِبِلِّيٌ.
10. الإنصاف:
وإن أردت أن تعاتب، فابدأ بذكر الإيجابيات قبل السلبيات، عندها؛ تنفتح القلوب لقبول النصح والعتاب. والنفس البشرية الطاهرة البريئة مثل نفس الطفل، التي لم تشبْها شائبة الغل، والحقد، وحب الذات، حين تمدحه على عمل صغير؛ تراه يبذل لأن ينجز لك الجليل، وانظر لذلك الذي طوّع السبع المفترس في باحات العروض؛ كيف روّضه وهو السَّبُع الذي لا يعقل ولا يفهم، كلُّ ذلك بمدح القليل والتشجيع عليه.
ومن روائع الشعر العربي:
يا لائمي في الهوى العذري معـذرة. مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمسـتتر. عن الوشاة ولا دائي بمنحســـم
محضتني النصح لكن لست أسـمعهُ. إن المحب عن العذال في صـممِ
11. إحسان الظن:
إحسان الظن بين يدي المعاتبة؛ تقطع شوطًا كبيرًا على طريق بناء الثقة، والتقدير، وزيادة الالفة والمحبة، وهذا أدب قرآني سامٍ، لا يناله إلا الصالحون، قال تعالى: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) النمل 27.
12. العتاب في صيغة سؤال تلطف:
يأتي العتاب في صيغة سؤال تلطف ﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ ومن الأمور المخففة لآثار العتاب ذكر السبب الدافع لرسول الله – صلى الله عليه وعلى آله الكرام وسلم إلى هذا التحريم ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ﴾، وبيان أن هذا السبب غير معتبر في الامتناع والتحريم فالغيرة ليست مما يجب مراعاته بين الأزواج إذ لم يكن هضم لحقوقهن، فهناك من الأشياء الدافعة للغيرة ينبغي أن لا يؤبه لها. وعذر النبي صلى الله عليه وعلى آله الكرام وسلم، في فعله هو جلب رضى الأزواج، وهذا من حسن معاشرته عليه الصلاة والسلام معهن، لكن الغيرة التي نشأت بينهن إنما هي معاكسة بعضهن بعضًا، وهذا مما يخل بحسن العشرة بينهن، فأخبره الله أن اجتهاده هذا غير معتبر وعاتبه على ذلك.
13. تخيل أنك المخطئ:
ضع نفسك موضع المخطئ، ثم فكر في الحل: دائمًا قبل أن تهدم حاول أن تبني، قبل أن تلوم بيِّن البديل، قبل أن تقرِّع ائتِ بالحل، هذه دعوة إيجابية، أما أن تكتفي بالنقض، تكتفي بالتجريح، تكتفي بانتقاص الإنسان، حاول إذا أردت أن تنتقد أن تبين الصواب، حاول إذا أردت أن تنكر بدعة أن تبين السنة، حاول إن أردت أن تُجَرِّح في هذا السلوك أن تبين السلوك الصواب، الله عز وجل قال (وأحل الله البيع وحرم الربا).
14. دع المخطئ يكتشف خطأه:
دع الآخرين يتوصلون لفكرتك بأنفسهم، واجعل المخطئ يكتشف خطأه بنفسه، ثم هو يكتشف الحل بنفسه.
نعطي مثال للتوضيح -: كان رجل في بعض البلاد الإسلامية كان يكره أحد الدعاة المتفوقين المخلصين، يكرهه بشكل عجيب، ولا يستطيع أحد أن يقنعه به، إلا أن جاء إنسان، وقدم له مؤلفات هذا الداعية باسم آخر، قرأها، أُعجب بها، أُخذ بها، ثم اكتشف فيما بعد أن هذه الكتب لمن كان يبغضه، ولمن كان يكرهه، أحيانًا نعادي بلا سبب، إما بانحياز أعمى، أو بضيق أفق، أو بغيرة صدر من جهة بعيدة، فلذلك دع الآخرين يكتشفوا أخطاءهم بأنفسهم.
15. لا تبحث عن أخطاء خفية:
لا تفتش عن الأخطاء الخفية، لا تتبع عورات البشر: فمن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في عقر داره.
إن رأيت إنسانًا يغلب عليه الصلاح والتستر فقف عند هذا، ولا تحشرأنفك في خصوصياته، في دقائق حياته، لا تحاول أن تكون متجسسًا، هذا لا يليق بالشخص السوي، الله عز وجل يحب الستر، والستِّير هو اسم من أسماء الله عز وجل، يستر العيوب، ويغفر الذنوب.

الختام:
على الشخص المعاتب لابد أن يوضح للطرف الآخر أن عتابه من أجل توطيد العلاقة وإزالة سوء التفاهم، وأن حرصه على صداقته هو الذى ألجأه إلى أن يعاتبه.
يجب أن يبدأ العتاب بإيثار الطرف الآخر من خلال امتداح الصفات الجميلة فيه حتى إذا كانت قليلة، وذلك وفقا للحكمة القائلة “امدح على قليل الصواب.. يكثر من الممدوح الصواب”.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار