يوم رحل القلب تاركا بابه مفتوحا
نشأت البسيوني
يا صديقي
لن أحدثك اليوم عن قلب يعيش ولا عن نبض يقاتل بل عن قلب انتهكت الخيبات حتى قرر أن يترك المعركة دون أن ينظر خلفه
قلب تعب من كثرة ما سحب نحو أماكن لا تشبهه ومن كثرة ما صبر على حزن أكبر من احتماله ومن كثرة ما حاول أن يظل جميلا رغم
أن كل شيء حوله كان قبيحا
ذلك القلب لم يمت فجأة
مات بالتدريج
مات كلما خذله أحدهم وكلما صدق وعدا لم ينفذ وكلما انتظر عودة لا تأتي وكلما قدم نفسه لقلوب لا تعرف سوى الأخذ
مات حين تحول صدقه إلى ضعف في نظر الآخرين وحين أصبح حبه عبئا وحين صار وجوده أمرا عاديا لا يستحق الامتنان
وفي اللحظة الأخيرة
حين تعب من الصراخ داخلك دون أن يسمعه أحد قرر أن يرحل
رحل بصمت كأنه يخشى أن يزعج أحدا بوداعه الأخير
رحل لأنه لم يجد يدا تتمسك به ولا عينا تبحث عنه ولا روحا تفتقد حضوره
دفنته يا صديقي
دفنته بيديك وأنت تعرف أنك لم تدفن قلبك فقط بل دفنت معه أياما كثيرة وذكريات كانت يوما ما تلمع مثل الذهب
دفنت معه أحلاما كنت تراها قريبة وملامح أشخاص كنت تظن أنهم وطنك
دفنت معه تلك البراءة التي كانت تجعل العالم بسيطا والعلاقات نقية والوعود صادقة
لكن القلوب لا تدفن كاملة
يبقى منها شيء
يختبئ في أعماقك يرفض الموت يرفض الانطفاء يرفض أن يتركك وحيدا في منتصف الطريق
يبقى جزء صغير ضعيف لكنه حي
يمثل آخر ما تبقى من إنسانيتك وآخر ما تبقى من قدرتك على النهوض
وسترى
سيأتي يوم تهب فيه نسمة صغيرة على ذلك الجزء نسمة تشبه يدا تربت على كتفك أو كلمة صادقة أو روحا تعرف كيف تنقذك دون أن تطلب
وحينها
ينبت في داخلك قلب جديد لا يشبه القديم لكنه يحمل من نجاته ما يكفي يجعلك أقوى
فلا تحزن
أحيانا موت القلب ليس نهاية بل بداية وعي جديد وفصل لا يشبه ما قبله وطريق يعود فيه الإن
سان إلى نفسه بعد أن ضل الطريق طويلا
يوم رحل القلب تاركا بابه مفتوحا

