
أئمة الأنام وزوامل الإسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد يقول الله سبحانه وتعالى كما جاء في سورة البقرة ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” أي انهم عدولا خيارا لأنهم الشهداء على الأمم، بل هم شهداء نبي الله نوح عليه السلام حينما يكذبه قومه بنفيهم تبليغه رسالة ربه، ورسولهم صلى الله عليه وسلم شاهد عليهم، فهم موصوفون بالوسط بمعنى الخيار العدول، فكذلك نهجهم بين الغلاة والجفاة، فهم في موضوع الربوبية وسط بين الملاحدة النفاة، وبين الحلولية والإتحادية.
وفي الأنبياء بين مكذبيهم ومؤلهيهم، هكذا إضطرد منهجهم في العقيدة والأحكام والتعاملات والأخلاق والسلوك، فإذا رأيت طرفي نقيض فثمّ حق في الوسط يمثله أهله من صادقي الاتباع، ويقول الإمام ابن القيم ” ولما كانت الدعوة إلى الله تعالي والتبليغ عن رسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم شعار حزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين، كما قال الله تعالى كما جاء في سورة يوسف” قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين” كان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه كان العلماء من أمته منحصرين في قسمين أحدهما حفاظ الحديث وجهابذته، والقادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأئمة معاقد الدين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله.
حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشبها الآراء تغييرا، ووردوا فيها “عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ” وهم الذين قال فيهم الإمام أحمد بن حنبل في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية ” الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب.
يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين” وأما عن القسم الثاني وهم فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا بإستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب، حيث قال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ” وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه.
وجابر بن عبدالله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه ” أولو الأمر هم العلماء وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وقال أبو هريرة وابن عباس الرواية الأخرى وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل هم الأمراء وهو الرواية الثانية عن أحمد، والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول صلي الله عليه وسلم، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم لهم تبعا، كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما.
كما قال عبدالله بن المبارك وغيره من السلف ” صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل من هم؟ قال الملوك والعلماء، كما قال عبدالله بن المبارك رحمه الله ” رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها، وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها، وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها”