الدكروري يكتب عن أعظم شخصية عرفها التاريخ
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه أعظم شخصية عرفها التاريخ، وأكمل رجل عرفته الإنسانية على الإطلاق، إنه رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم، ولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في أشرف بيوت العرب نسبا، وأرفعها حسبا، وهو بيت هاشم بن عبد مناف، ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيما لم يشعر بعطف الأبوة، فيرى الحنان الذي يفيض به الآباء على الأبناء، وزاد يُتمه بعد أن ماتت أمه بالأبواء، وقد تعهدت محمدا حياطة الله تعالي منذ أول لحظة حظي الوجود فيها بإشراق طلعته، فكانت حياته منذ ولد إلى أن توفي حياة مشرقة مضيئة مملوءة بالمفاخر، محفوقة بالمكارم، ونشأ نشأة جمع الله تعالي له فيها خصائص الفطرة الإنسانية في أعلى مراتبها، وأسمى درجاتها، فقد كان العالم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.
في ظلمات من الزيغ عن الحق والانغماس في الضلال والجهل، يستوي في ذلك الأمة العربية وغير العربية،أما العرب فكانوا في ظلمات من العقائد الزائفة، كانوا على ملل حائدة عن الصواب، فمنهم الدهرية الذين لا يؤمنون بإله يدير العالم، ويُنكرون البعث والحساب، ومنهم الثنوية الذين يقولون بإلهية النور والظلمة، ومنهم عبَدة الأصنام، وكانوا في ظلمات من المزاعم الساقطة كالاستقسام بالأزلام، والتطيّر، والتشاؤم بكثير من الأشياء، وكانوا في ظلمات العادات المستهجنة والأعمال المنكرة كطوافهم بالبيت عُراة، ودسهم البنات في التراب وهن أحياء، وارتكاب الفاحشة، وشن القتال لأتفه الأسباب، وليس معنى ذلك أن أخلاق العرب كلها كانت مفاسد، بل كان لهم مع هذه المساوئ مزايا ومفاخر.
كالكرم، والشجاعة، وإباء الضّيم، والوفاء بالوعد، والطموح إلى المعالي، بالإضافة إلى بلاغة القول، وفصاحة اللسان، وحسن البيان، وهذا شأن الأمة العربية، أما الأمم غير العربية، فمنها مَن كان على المجوسية كالفرس والبربر، ومنهم من كان على البوذية كالهنود وأهل الصين، ومنهم من كانوا على النصرانية، ولكنهم بعدوا بها عن وَجهِها الصحيح كالروم، وفي البيئة العربية البعيدة عن العلم، والمتوغلة في الضلال والجهل، وروي عن السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها فلانة لامرأة فذكرت من صلاتها، فقال “مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا، إن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه” وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال “يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفروا” وفي رواية، قال صلى الله عليه وسلم “وسكنوا ولا تنفروا” وتتجلى إنسانيته صلى الله عليه وسلم في اختياره الأيسر والأسهل ما لم يكن إثما، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت”ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في أمر ينتهك منه، إلا أن تنتهك لله عز وجل حرمة، فينتقم لله عز وجل” وها هو النبى صلى الله عليه وسلم يرسي لأمته مبدأ اليسر والسهولة الذي يتماشى مع إنسانية المسلم، فعندما رأى حبلا ممدودا أمر بحله، وأمر أمته ألا تتكلف من العمل إلا ما تطيق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد.
فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال “ما هذا الحبل؟” قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا، حلوه ليُصلى أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم أما أنا، فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” رواه البخاري ومسلم.