
إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رفع السماء بلا عماد، وبسط الأرض فكانت نعم المهاد، أحمده جل شأنه وأشكره أتم نعمته على العباد، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له إليه المرجع والمعاد وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى الآل والصحب الأمجاد، وعلى من سار على درب الهدى يبتغي الرشاد أما بعد، لقد كتب الله عز وجل علي عباده الإبتلاء، ومن أعظم الإبتلاءات هو المرض في الجسم والبدن، وإن من فوائد المرض أن الله عز وجل يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله تعالي سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف، فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرها ويموت كرها ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
فمن كانت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس ؟ فيقول الله تعالي ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ” وكما يقول تعالي ” كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ” وقال الإمام إبن القيم رحمه الله ” لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا أو آجلا ” وكما أن من فوائد المرض هو معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله تعالي، فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه ولولا أن سلط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله” وكما قال تعالى ” يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد”
وتأملوا أيها المسلمون البلاء العظيم عند نبي الله أيوب عليه السلام، فقد إبتلاه الله تعالي في أهله وماله وولده وجسده لله حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله تعالي، ولم يشكوا حاله إلا إلى الله عز وجل، وبعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وإنكسار قائلا ” رب إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ” فجاء الجواب من الجواد الكريم علي الفور ” فإستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ” وكما قال تعالى “إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ” وها هو عروة بن الزبير رضي الله عنه وهو من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجها، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد، هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة.
فقالوا أنه أصابه بالعين، فخرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في إصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة، وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة، وهي وسط الساق، وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال” أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله” ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، ولما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولما قالوا نسقيك شيئا يزيل عقلك؟ قال إنما إبتلاني ليرى صبري ورفض ذلك.
وهاهو أبو قلابة التابعي الجليل ممن إبتلي في بدنه ودينه، وأريد على القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر لربه، وعندما سئل على ماذا تحمد فقال ألم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابرا.
إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب