
الاجتهاد في العبادة: سبيل الوصول إلى محبة الله ورضوانه
بقلم: عبير محمود خلف
الاجتهاد في العبادة هو بذل أقصى الجهد والطاقة في أداء الطاعات والقربات، والحرص على فعل الخيرات، والابتعاد عن كل ما يُغضب الله، ابتغاءً لمرضاته وطمعًا في جزيل ثوابه. إنه ليس مجرد أداء للفرائض فحسب، بل هو تجاوز للحد الأدنى، وسعي حثيث لزيادة القرب من الخالق، ونيل المنزلة الرفيعة عنده.
لماذا نجتهد في العبادة؟
الاجتهاد في العبادة ليس ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة حتمية لكل مؤمن يرجو النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، وذلك لأسباب عديدة:
* اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المجتهدين في العبادة، فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ويصوم الأيام، ويكثر من الذكر والدعاء. وعندما سُئل عن ذلك وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: “أفلا أكون عبدًا شكورًا؟”. هذا يوضح أن الاجتهاد هو تعبير عن الشكر لله على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى.
* نيل محبة الله ورضوانه: الاجتهاد في العبادة يرفع العبد في درجات القرب من الله، فالله يحب العباد الذين يسعون جاهدين لإرضائه وطاعته. وكما جاء في الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه”.
* زيادة الحسنات وتكفير السيئات: كل عمل صالح يُقدم عليه العبد باجتهاد وإخلاص يمحو ذنبًا ويرفع درجة، وهذا يعين العبد على تدارك ما فاته من تقصير، والاستزادة من الخير.
* تقوية الإيمان والثبات على الحق: الاجتهاد المستمر في العبادة يرسخ الإيمان في القلب، ويجعله أكثر ثباتًا أمام الفتن والمغريات، ويمنح النفس طمأنينة وسكينة.
* الاستعداد للآخرة: الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء. والاجتهاد في العبادة هو خير زاد يتزود به المؤمن ليوم الحساب، وليحظى بمنازل الصالحين في الجنة.
صور الاجتهاد في العبادة
الاجتهاد في العبادة لا يقتصر على نوع واحد من العبادات، بل يشمل جميع أبواب الخير والطاعات، ومن أبرز صور الاجتهاد:
* المحافظة على الفرائض والإتيان بها على أكمل وجه: كالصلاة في أوقاتها بخشوع وحضور قلب، وأداء الزكاة كاملة، وصيام رمضان والحرص على قيامه، وأداء فريضة الحج لمن استطاع.
* الإكثار من النوافل: كالسنن الرواتب، وقيام الليل، وصيام التطوع (كصيام الاثنين والخميس والأيام البيض)، وكثرة الذكر والاستغفار والتسبيح، وقراءة القرآن وتدبره.
* الاجتهاد في الدعاء والابتهال إلى الله: فالدعاء مخ العبادة، والاجتهاد فيه يدل على شدة الافتقار إلى الله والثقة به.
* التفقه في الدين وطلب العلم الشرعي: العلم هو أساس العمل، والاجتهاد في طلبه عبادة عظيمة ترفع صاحبها درجات.
* حسن الخلق والمعاملة الطيبة: فالدين المعاملة، والاجتهاد في التحلي بمكارم الأخلاق والصبر على الأذى، والإحسان إلى الناس من أعظم القربات.
* المبادرة إلى فعل الخيرات: كصلة الأرحام، وعيادة المريض، وإغاثة الملهوف، وإماطة الأذى عن الطريق، وإفطار الصائم، والصدقات، وغيرها من أبواب البر.
* مجاهدة النفس على ترك المعاصي والآثام: فالاجتهاد يشمل ترك السيئات كما يشمل فعل الحسنات، وهو ما يُعرف بالورع والتقوى.
معوقات الاجتهاد وكيفية التغلب عليها
قد يواجه المسلم بعض المعوقات التي تثبط عزيمته عن الاجتهاد، ومنها:
* طول الأمل والغفلة: الاعتقاد بأن العمر مديد وأن هناك وقتًا كبيرًا للتوبة والعمل الصالح.
* التسويف والتأجيل: تأخير الطاعات إلى وقت لاحق، وغالبًا ما لا يأتي هذا الوقت.
* صحبة السوء: الأصدقاء الذين لا يهتمون بالدين والعبادة قد يثبطون الهمم.
* الفتور وضعف الهمة: قد يصاب العبد بفترات ضعف وكسل.
* الذنوب والمعاصي: فإنها تحجب القلب عن الطاعة وتضعف الإيمان.
للتغلب على هذه المعوقات، ينبغي على المسلم:
* تذكر الموت والآخرة: وأن الحياة قصيرة والفرصة لا تُعوّض.
* المبادرة وعدم التسويف: اغتنام الأوقات وفعل الخيرات فورًا.
* مصاحبة الأخيار والصالحين: فإنهم يعينون على الطاعة ويشجعون على الاجتهاد.
* تجديد النية والإخلاص لله: فذلك يبعث الهمة ويقوي العزيمة.
* كثرة الاستغفار والتوبة: لتطهير القلب وإزالة أثر الذنوب.
الاجتهاد في العبادة: سبيل الوصول إلى محبة الله ورضوانه
في الختام، الاجتهاد في العبادة هو سر التفوق الروحي، ومفتاح السعادة الأبدية. إنه دليل على صدق الإيمان وقوة اليقين. فليكن كل منا حريصًا على أن يبذل وسعه في طاعة ربه، وأن يسعى جاهدًا لنيل محبته ورضاه، فالدنيا مزرعة والآخرة حصاد، ولا يُحصَد إلا ما زُرِع.
هل ترغب في معرفة المزيد عن عبادة معينة وكيفية الاجتهاد فيها؟