الاختلاف الفكري /
السعيد عبد – العاطي مبارك الفايد – مصر ٠
” إن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه و لا اخطئوه في كل وجوهه ، بل أصاب كل إنسان جهة ٠٠ ” – أفلاطون ٠
في البداية عندما نتأمل مراحل الثقافة الإنسانية من منظور العقل ، نتوقف مع ظاهرة الاختلاف الفكري بين الناس و مدى تفاوته ، فهذه حقائق ثابتة لا تقبل الشك و الجدل نوعا ما هكذا ٠٠
فمنذ النشاة نجد الإنسان السوي العاقل ينظر إلى الكون و ماحوله من أشياء مادية و معنوية في الكون نظرة فلسفية تدعو إلى التأمل و السعي إلى إدراك ماهية الخَلق من خلال الصور و الأخيلة أضف إلى درجة العلم و المعرفة و التثقف و الرجوع إلى ما قبله من تجارب و تاريخ و تراث ، قد أثرت شكلا و مضمونا في تشكيل مسيرته مع الحياة ٠
و كل هذا بين النظر و القبول و الرفض و الإعجاب و التمرد نحو قيم جمالية تجسد عمق رؤيه بالتأكيد هكذا ٠
و من هنا تولد الصراع و الاختلاف لفهم و إدراك بعض الحقائق في إطار السعي إلى طريق المدنية و الحضارة لإسعاد البشرية و تجنب ويلات الحرب و الشر معا ٠
و من ثم قد نشأ هذا الخلاف الفكري بين الناس حسب درجات المعرفة و الرضا و الإقناع و اتسعت هوة التفسير لتلك الظاهرة الهامة في حياتنا و أسباب هذا الاختلاف الضروي فمن الطبيعي أن يكون فطري و من سنة الوجود أيضا ٠
و لذا تصدى الفلاسفة قديما للوصول لأهم تلك الأسباب لهذا الاختلاف الفكري الطارىء بكل أنواعه و أشكاله و صوره و ملامح تحولاته مع البيئة و عناصر الزمان و المكان و محور المعطيات و خصائص المقومات البشرية و الفنية لكشف تلك بداية المحاولات ، و أهمها في الإحصاء داخل خطوط و عناوين عريضة تحتاج إلى تحليل ودراسة تطبيقية منفصلة ٠٠
و كنا ندرس كل ذلك في أصول التربية في الجامعة كما يرجع ذلك إلى بعص الأسباب التي تم مناقشتها ٠٠
– غموض الموضوع في ذاته ، و سبيل الإدراك ليس مهيئا ٠
و لذا قال أفلاطون قديما :
” إن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه و لا اخطئوه في كل وجوهه ، بل أصاب كل إنسان جهة ٠
و مثال ذلك عميان انطلقوا إلى ( فيل ) ، و أخذ كل منهم جارحة منه فجسمها بيده ؛ و مثلها في نفسه ، فأخبر الذي مس الرجل ان خلقة الفيل طويلة مستديرة سبيهة بأصل الشجرة ، و أخبر الذي مس الظهر ان خلقته تشبه الهضبة العالية ، و الرابية المرتفعة ، و أخبر الذي مس أذنه انه منبسط دقيق بطويه و بنشره ، فكل واحد منهم قد أدى بعض ما أدرك ، و كل يكذب صاحبه ، و يدعي عليه الخطأ و الجهل فيما يصفه من خَلق الفيل ٠
فانظر إلى الصدق كيف جمعهم ، و انظر إلى الكذب و الخطأ كيف دخل عليهم حتى فرقهم ” ٠
– ثم نجد اختلاف الرغبات و الشهوات و الأمزجة :
فمن أسباب الاختلاف الرغبات و الشهوات فهي عند الناس متباينة متفاوتة ، و كل يدرك في محيط نزعاته النفسية ٠٠
و من ثم يأتي التصادم بين الأمزجة البشرية ، و ان الرغبة هي التي تربي فينا الأشياء مليحة ، بهذا تستولى على مقاييس الحُسن و القبح في الأشياء و الأفكار ٠
و نشاهد كل هذا في ميدان الدين و الأدب و الفن و الحكمة للوصول إلى جوهر الموجودات ٠٠
– اختلاف الاتجاه يجعل لكل متجه إلى نوع تفكيرا يناسبه في هذا الاتجاه ٠٠
ففي رسائل أخوان الصفا:
القياسات مختلفة الأنواع كثيرة الفنون ، كل ذلك بحسب أصول الصنائع و قياس المنجمين لا يشبه قياس النحويين و لا المتكلمين و لا قياسات المتفلسفين تشبه قياسات الجدليين ٠٠٠
و الأقيسة الفكرية تختلف باختلاف الاتجاه العلمي لأهل كل علم ، فإذا كان موضوع الدراسة واحدا ، فلابد أن يختلف أهل كل قياس كما بينا في موضوع وصف الفيل سابقا ٠
و هذا يجعل كل له تفكير و منهج في طريقة علمه ٠٠
كما في الاختلاف بين علماء الكلام و الفقهاء في موضوع خلق القرآن ، و الاختلاف بينهم سببه الاختلاف في المنهاج :
– فالفقهاء أقيستهم تعتمد على الكتاب و السنة فقط ٠٠
– و علماء الكلام ينطلقون وراء الأقيسة العقلية المجردة ٠
– تقليد السابقين و محاكاتهم ، من غير أن ينظر المقلدون نظرة عقلية مجردة ، و أن نظرة التقليد متغلغلة في نفوس الناس توجهم توجيه آليا دون إعمال العقل و تعطيل ملكة التفكير و التدبر ، و من ثم تدفع المقلدين بعقولهم إلى وضع براهين لبيان حسنها و قبح غيرها و هذا من التقليد و التعصب الشديد و نجم عنه الاختلاف الشديد ٠
– اختلاف المدارك و تفاوت الناس فيها فمنهم من يصل إلى الحقيقة و منهم من يقف أمام جزء ، و منهم من سيطر عليه الوهم ، و من ثم يذهب به الخيال إلى متاهات فكرية مختلفة و هذا ليس مقصورا على العامة بل العلماء ٠٠
و نجمل أسباب الاختلاف الفكري بعد هذا العرض الموجز لخط سيره ٠٠
– حب الرياسة و خصوصا في المنهج السياسي مع الرغبة في التملق إلى الحاكم و التشبث بالآراء و العصبية في اندفاع و هذا خطر جسيم دون مبرر و نقد و إصلاح المنظومة في مكاشفة للواقع بكل الإيجابيات و السلبيات في توازن ٠
و تتعدد الرؤى للموضوعات المطروحة للدراسة بغية الوصول إلى ثمرة اختلاف النتائج من موضوع إلى موضوع بيئة إلى بيئة ٠٠
و تمخض ذلك في اختلاف حول الدين و العقائد و العصبية العربية و التنازع على الخلافة و صراعات بين الأمم القديمة و معتقداتها و الانزلاق في هوة المسائل الغامضة دون ملكات البحث و محاولة إثبات و نفي لبعض الأمور المتناولة و المتداولة و المتشابه و تداخل الاستنباط في العقلي و العملي و غياب روح ملائمة الارتباط في استعراض النقاط التي عملت على هذا الاشتباك بين الفرق و المذاهب و المناهج عقائدية و فقهية و سياسية و فكرية و أدبية و فنية و غير ذلك ٠
و الخلاصة هنا :
أخيرا أرى الاختلاف مشروع وجيد ربما يؤدي إلى نتائج تفتح العقول و توجه الانظار أرى ( المتن ) معلوم و ( الفهم ) متعدد الرؤى دائما ٠
الاختلاف الفكري /
السعيد عبد – العاطي مبارك الفايد – مصر ٠