
الاختيار هو جوهر الإنسان
بقلم دكتورة/ همت مصطفى
نحن لا نصبح أنفسنا إلا عندما نختار.
ليست حياتنا بما يُفرض علينا، بل بما نختار أن نكون.
في كل لحظة، هناك مفترق طريق: نختار أن نقول نعم أو لا، أن نصمت أو نتكلم، أن نواجه أو نهرب.
هذه الخيارات، على بساطتها أو عظمتها، هي التي تشكّلنا.
الحرية ليست فقط حقًا، إنها مسؤولية.
نحن نحمل قراراتنا على أكتافنا، نعيش نتائجها، ونتعلم منها.
في وقت الشدة، يظهر جوهر الإنسان من خلال اختياراته:
هل يختار الكرامة أم التنازل؟
الصدق أم الخداع؟
الخير أم المصلحة؟
لسنا دائمًا أحرارًا في الظروف، لكننا دائمًا أحرار في ردود أفعالنا.
وفي هذا تكمن عظمتنا.
الاختيار هو المرآة التي تعكس من نحن، والمفتاح الذي نصوغ به مصيرنا.
فاختر بوعي، لأنك بكل بساطة: أنت ما تختار.
لكن السؤال الذي يعيد طرح نفسه دومًا:
⁉️ كيف نختار؟
في عالم يعجّ بالخيارات، لم تعد المشكلة في الندرة، بل في الوفرة. نحن لا نعاني من نقص البدائل، بل من تخمة تقيّدنا أكثر مما تحرّرنا. وهنا تبرز الحاجة لفنّ الاختيار، لا مجرد فعله.
أول خطوات الاختيار الحكيم تبدأ بالمعرفة. أن تعرف نفسك، حاجاتك، قيمك، وأهدافك؛ فكل اختيار لا ينبع من عمق الذات، هو اختيار مزيّف مهما بدا براقًا. نحن لا نختار فقط بما نريد، بل بما نحن عليه. والإنسان الذي لا يعرف نفسه، لا يملك بوصلة تقوده وسط الزحام.
ثم تأتي المفاضلة. أي قدرة المرء على أن يوازن بين البدائل بوعي وهدوء. المفاضلة تعني أن تعي أن كل “نعم” تقولها، تحمل معها “لا” محتملة لشيء آخر. وهي مخاطرة لا مفر منها. لذا، لا وجود لاختيار بلا خسارة جزئية، ولكن الاختيار الجيد هو ذاك الذي تكون فيه المكاسب أعظم من التنازلات.
ويُضاف إلى ذلك الاستشارة. لا ضعف في طلب الرأي، بل حكمة. الآخرون يرون زوايا قد تغيب عنك، يضيفون خبرة، وربما ينقذونك من قرار متهور. ومع ذلك، لا يجب أن تُسلّمهم دفة القرار، فالاختيار في النهاية هو مسؤوليتك، أنت وحدك من سيحيا نتائجه.
ولا بد أن نؤمن أن الاختيار لا يعني الكمال. لا وجود لقرار مثالي في الحياة. كل اختيار هو مزيج من الأمل والمخاطرة، من الرغبة والقلق. ولكن كلما اخترنا بما يتفق مع قِيَمنا وقناعاتنا، كلما قلّ ندمنا لاحقًا، حتى لو كانت النتيجة غير مثالية.
الاختيار هو تمرين يومي على الحرية. إنه الامتحان المتجدد لإنسانيتنا، وهو ما يحدد من نكون، وإلى أين نمضي.
ففي النهاية، نحن لسنا فقط نتاج ما نُمنَح، بل نتاج ما نختار.
فاختر… بوعي.
الاختيار هو جوهر الإنسان