الافتقار إلى الثبات
محمود سعيد برغش
العمل الدائم هو العمل الحبيب إلى الله تعالى، والذي يحبه الله لك، وأحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل، والدوام على العمل ثبات، فالذي يصلي ركعتي الضحى لا يحيد عنهما أبدا فهذا ثبات، ومن يصلي ركعتين فقط بالليل ويستمر عليهما كل ليلة فهذا ثبات.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته، يعني: داوم عليه، وحض الأمة على المداومة عليه، فكان يستغفر في اليوم الواحد مائة مرة، وكان يقول في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وارحمني، الدوام على الذكر والاستغفار بهذه الطريقة هذا هو الثبات الذي نفتقر إليه، لأن الناس مصابون بفتور الهمة، فالعمل عندهم وعندنا متقطع الأوصال، نؤدي الطاعة حسب الحالة النفسية والمزاج، وإنما العمل هو الذي قال عنه سيدنا صلى الله عليه وسلم: “قل آمنت بالله ثم استقم”( )، وما كانت الاستقامة إلا ثباتا على صحة العمل، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [فصلت: 30].
كلنا مفتقر إلى أن يثبت له عمل، وأن يثبت نفسه على الطاعة، نفترض أن شخصا يعمل في مكان وبيس حريصا على المداومة في العمل، يعني لا يداوم إلا قليلا، وإن داوم فإنه يتذبذب، فهذا لا عمل له، ولن يستقر ولن يستمر في العمل، وهذا معنى أن الدوام في حد ذاته ثبات للعمل، فالذي يصلي بعض الصلوات ويترك يعضها فلا تصح صلواته، لأن الله تعالى يريد للعمل أن يكون دائما، أما انقطاع الأعمال فمعناه أن الإنسان ليس محافظا عليها، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، انظر إلى التواصل في هذه العبادات، يعني: الشوق إلى العمل إذا لم يكن موجودا عند الإنسان فإنه لا يستشعر حلاوة العمل، فأنت في حاجة إلى أن تثبت، كما أنك في حاجة إلى أن تلقى الله تعالى مؤمنا.
هناك عناصر خارجية وداخلية تساعدك على الثبات، يقول تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال: 12]، تثبيت الله لكم بأن جعل الملائكة يثبتونكم، والرحمات تتنزل في المكان الذي تتواجد فيه الملائكة.