الخروج من الظلمات إلي النور
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله عز وجل، واللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وارزقنا ولايتك ونصرتك يا أرحم الراحمين، إن الخوف من الله طريقا إلى الجنة، لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة” رواه الترمذي، أي بمعني الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل، أدلج، فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا مثل ضربه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة، فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة بالسوء والأماني الكاذبة، وأعوان إبليس، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله، أمن من الشيطان وكيده.
ومن قطع الطريق عليه، ومن فعل ذلك دخل الجنة، وهي سلعة الله الغالية التي من دخلها كان من الآمنين، وكما أن الخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ” وعزتي وجلالي، وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة ” رواه ابن حبان، وأن الخوف سبب للنجاة من كل سوء، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاث منجيات منها خشية الله تعالى في السر والعلانية” فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء، فيا أيها المسلمون، اسمعوا إلى أحوال الخائفين وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم، فهل من مُشمر؟ وهل من خائف؟ وهل من سائر إلى الله؟
فقد أخبر الحق سبحانه وتعالي عن حال الخائفين وقد أصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا، فيقول تعالي كما جاء في سوة الطور ” وأقبل بعضهم علي بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم” ولقد أكرم الله تعالي البشرية جميعا بالرسالة الخاتمة التي بعث الله عز وجل بها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، فقال تعالى كما جاء في سورة سبأ ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا” ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، فاستحق بحق أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منقذا للبشرية، وأسوة للعالمين.
وإن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس، وتأتلف به القلوب وإصلاح يقوم به عصبة خيرون شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع وكرم السجايا، وفئات من ذوي الشهامة من الرجال والمقامات العلية من القوم، رجال مصلحون ذو خبرة وعقل وإيمان وصبر، يخبرون الناس في أحوالهم ومعاملاتهم، حذاق في معالجة أدوائهم، أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين وخواطر المتباغضين والسعي بما يرضي الطرفين، ومن أجل ذلك، فقد عظم ثوابه، وكبر أجره، فهو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” ولقد باشر الصلح بنفسه، صلى الله عليه وسلم حين تنازع أهل قباء، فندب أصحابه وقال “اذهبوا بنا نصلح بينهم”.الخروج من الظلمات إلي النور