الدكروري يكتب عن استثمار الطاقات
الدكروري يكتب عن استثمار الطاقات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الإسلام قد حث على استثمار الطاقات والكسب والاحتراف، وأن الأمة الإسلامية غنية بما وهبها الله من موارد وطاقات وأن هذه الموارد وتلك الطاقات لو استغلت استغلالا صحيحا في حدود القيم والأخلاق وفي حدود التخطيط السديد لأصبحت من أغني أغنياء العالم، فإن تقدمها ونماءها وازدهارها مصحوب بالقيم الأخلاق أولا، وبالجد والسعي والعمل واستثمار الطاقات ثانيا، فهذان ميزانان بهما ترقي الأمة وتتقدم، وبانعدامهما تتخلف وتصاب بانحطاط مادي وخلقي وكفي بالواقع المعاصر على ذلك شهيدا، وإن التنمية تعنى عملية تطوير وتغيير قدر الإمكان نحو الأحسن فالأحسن، وتكون مستمرة وشاملة لقدرات الإنسان ومهاراته المادية والمعنوية، تحقيقا لمقصود الشارع من الاستخلاف في الأرض.
برعاية أولى الأمر، وذلك ضمن تعاون إقليمى وتكامل أممى، بعيدا عن أى نوع من أنواع التبعية، وهذا التعريف جامع وشامل لجميع مجالات التنمية العلمية والعملية والروحية والجسدية وغير ذلك، وإن أهم هذه المجالات بلا شك هو مجال التنمية الإيمانية، فينبغي على العبد أن يسعى إلى تنمية وزيادة إيمانه دائما لأن الإيمان يزيد وينمو بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن بالمثال يتضح المقال فلو إننا صلينا الجمعة جماعة في المسجد، فإن النسبة التي حصل عليها كل واحد من المصلين تختلف عن الآخر تبعا لخشوعه وتقواه وإيمانه بالله تعالى، وعن عمار بن ياسر رضى الله عنهما قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن العبد ليصلى الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها” رواه أحمد.
لذلك كان الإيمان شعبا أى درجات، وكذلك الكفر شعب كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء، وإذا أردنا التنمية الإيمانية فعلينا أن نسلك سبل عوامل زيادة الإيمان ونمائه وهي كثيرة منها حضور مجالس العلم، ومنها قراءة القرآن وتدبره ففى قراءته وتلاوته، يزداد الإيمان ويدل على ذلك قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين كما جاء فى سورة الأنفال “وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ” ومنها التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته عز وجل ويدل على ذلك قول الله تعالى كما جاء فى سورة يونس ” قل انظروا ماذا فى السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون” فإن العبد إذا تفكر في آيات الله تعالى في هذا الكون عرف عظمة الله تعالى فازداد إيمانه.
ومنها أيضا البعد عن المعاصى لأن اقتراف المعاصى سبب في نقصان الإيمان، والبعد عنها ومدافعتها سبب زيادته والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن من طاعة الله تعالى أن يبتعد الإنسان عن المعاصى والفتن، فأى إنسان أراد أن يعيش قلبه سليما من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض فليبتعد عنها ولينكرها، ويدل عليه حديث حذيفة رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأى قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأى قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه ” رواه مسلم.
ومعنى كلمة مربادا أى مخلوطا حمرة بسواد، وكالكوز مجخيا، أى كالكأس المنكوس المقلوب الذى إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه، وقال القاضي عياض” ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس” ومنها أيضا حلق الذكر، وقد قال ابن حجر في الفتح” كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه.