الدكروري يكتب عن الشريعة نظام المكلفين
الدكروري يكتب عن الشريعة نظام المكلفين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان للقرآن الكريم أثر عظيم في شد أزر المؤمنين من جانب، وتوعده الكفار بالعذاب من جانب آخر، مما كان له وقع القنابل على نفوسهم، وقد كان دفاع القرآن الكريم عن الصحابة يتمثَل في نقطتين، فالأولى وهي حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على رعايتهم، وحسن مجالستهم، واستقبالهم، ومعاتبته على بعض المواقف الَتي ترك فيها بعض الصحابة لانشغاله بأمر الدعوة وأما الثاية وهي التَخفيف عن الصحابة، بضرب الأمثلة والقصص لهم، من الأمم السابقة، وأنبيائها، وكيف لاقوا من قومهم الأذى والعذاب ليصبروا، ويستخفوا بما يلاقون، وأيضا بمدح بعض تصرفاتهم، ثم بوعدهم بالثَواب، والنعيم المقيم في الجنة، وكذلك بالتنديد بأعدائهم الذين كانوا يذيقونهم الألم والأذى.
وإن من مظاهر تكريم الله سبحانه وتعالي لبني آدم أن جعل نظام حياتهم الذي يحدد علاقتهم به وعلاقة بعضهم ببعض، وعلاقتهم بمن حولهم من الخلق، ويحدد لهم حقوقهم على غيرهم والحقوق التي عليهم لغيرهم شريعة تعبدهم بها في الحياة، وجعل الاستقامة عليها موجبة لطيب الحياة والإسعاد في المعاش والمعاد، والإعراض عنها أو التلاعب بها، موجبا للسوأى في الدنيا والأخرى، فجعل سبحانه تلكم الشريعة أو نظام المكلفين، دينا كاملا، سمحا ميسرا كفيلا بتحقيق العدل والإحسان، مانعا من الظلم والعدوان، مشتملا على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد أو تقليلها، باعثا على التعاون على البر والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق وبالصبر والمرحمة.
والنهي عن الإثم والعدوان، والابتداع والشرك والإلحاد، وغير ذلك من بواعث الفتنة، وموجبات الشر، وزجر عن هذه الأمور بألوان من التهديد، وضروب من الوعيد، وشرع الحدود الرادعة، والعقوبات البليغة دنيا وآخرة، كل ذلك لتطيب الحياة، وتندفع البليات، ويتحقق للمجتمع العيش الكريم، والعمل الصالح في ظل الأمن العام، والتكافل التام، والتعاون الحقيقي الذي يصون الحرمات، وينمي الثروات، ويبعد شرح المنغصات والمكدرات، وإن التعبد لله تعالى بالاستقامة على دينه الذي شرعه الله تبارك وتعالى نظاما للمكلفين في الحياة، ودليلا على موجبات إسعادهم في الحياة وبعد الممات، هو حق الله تعالى الذي هو أعظم الحقوق على الإطلاق، فحقه سبحانه على عباده أن يعبدون به.
متبرئين من الكفر والشرك والنفاق، متأسين بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في العلم والاعتقاد والقول والأخلاق، فمن أحسن أحسن الله إليه، ومن ظلم ثم تاب من بعده وأصلح فإن الله يتوب عليه، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، ومن أحدث فيه ما ليس منه فأولئك هم الأخسرون، فحق الله على عباده التوحيد، وحق العباد على الله العدل، بأن لا يعذب أحدا بغير ذنب، ومن أذنب وتاب فإنه تعالى يقبل التوب، ومن عوقب بذنبه فلا يزاد على ما يستحق، فإن الله تعالى قد حرم الظلم، وجعله بينهم محرما، ونهاهم أن يتظالموا، وإن من الحقوق العظيمة للمكلفين التي تضمنتها شريعة الله المحكمة الحكيمة حفظ الضرورات الخمس وهي الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، فقد تضمنت شريعة الإسلام.
علي أحكاما حازمة كثيرة ومتنوعة، لصيانة هذه الضرورات، وتزكيتها، وتقويتها، والمحافظة عليها من كل ما يخل بها، أو يبطلها، ويعطلها، ويحرم الإنسان منها، فليس من حق أي أحد أن يبدل دينه، ولا يجوز لأحد أن يضله عنه، وليس لأي شخص أن يقتل نفسه، ولا أن يقتل غيره من غير طريق الشرع، ولا أن يتعاطى ما يذهب عقله، ولا أن يتسبب في إزالة عقل غيره، ورحمة مال المرء كحرمة دمه، والأعراض قرينة النفوس والاموال في الحرمة.