الدكروري يكتب عن العالم من خشي الرحمن بالغيب
الدكروري يكتب عن العالم من خشي الرحمن بالغيب
بقلم / محمــد الدكــروري
إن الخشية من الله عز وجل هي التي تحول بين العبد وبين معصية الله، وتدعوه إلى طاعته والسعي في مرضاته، وقال الحسن البصري رحمه الله ” العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا قول الله تعالى من سورة فاطر “إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور” وإن العالم هو من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله تعالى فيه، وزهد فيما سخط الله تعالى فيه، وهذا هو العلم الحقيقي الذي ينفع صاحبه فإن العلم ليس عن كثرة المعرفة والحفظ، ولكن العلم عن كثرة الخشية، فهو نور يجعله الله في القلب، فالعلم بغير ورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه، وماذا يفيد العلم جُمّاع القول المصرين على معاصيهم وأخطائهم، الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه.
وقد روى عبد الله بن وهب عن سفيان “أن الخضر قال لموسى عليهما السلام يا ابن عمران، تعلم العلم لتعمل به، ولا تتعلمه لتحدث به، فيكون عليك بُوره، ولغيرك نوره” وقال أبو الدرداء رضي الله عنه “أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول قد علمت فماذا عملت” وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به، فثمرة العلم أن يُعمل به لأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، وخير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع، ومن تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله، فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد، وإن المرء ليتساءل أين العلم الشرعي ممن أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات؟ وأين العلم الشرعي ممن أسبلوا الثياب، وحلقوا اللحى وتعاملوا بالربا، وهجروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ووقعوا في المعاصي، مع أنهم يعلمون يقينا أن هذه كلها ممنوعة محرمة على المسلم، وقد أثر عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتجاوزن عشر آيات من كتاب الله حتى يتعلموا ما فيها من العلم ويعملوا به، وقال بعض السلف “كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به” فترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذهابه ونسيانه، وقال الإمام على رضي الله عنه “يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من عمل بما علم، فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يتعلمون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا، فيباهي بعضهم بعضا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عز وجل، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا لطلاب العلم.
وأحوالهم في الاستفادة مما تعلموا، فقال صلى الله عليه وسلم “مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثي الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” متفق عليه، ثم اعلموا أن من آفات العلم، وأسباب محق البركة عنه أن تطلب به الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن يريد طالبه بعلمه أن ينقاد له الناس، ويخضعوا له، وأن يصرفوا إليه وجوهم، فيُظهر للناس زيادة علمه على العلماء، ليعلو به عليهم، ونحو ذلك، فهذا موعده النار عياذا بالله.